[اللهجات والتخفيف الصوتي والنحوي]
ـ[ضاد]ــــــــ[08 - 03 - 2009, 12:33 ص]ـ
إن النظام الصوتي المقطعي في العربية نظام قائم في قسم كبير منه على التجانس والتسهيل والتخفيف لأن العربية في أصلها لغة كلامية, ومن طبيعة الكلام أن يسعى المتكلمون إلى تسهيله وتخفيفه. ولذلك كانت التصريفات والاشتقاقات تعدل عن القاعدة النظرية الأساسية لتحقق صيغا تسهل في اللسان وتقبلها الأذن ويفهمها الذهن على فرعيتها على القاعدة. وأكثر ما يظهر هذا في التعامل مع حروف العلة والحروف المضاعفة والقريبة المخارج. إلا أن أذن العربي اختلفت عبر العصور ومع تحول المتكلم العربي من فصحى موروثة إلى لهجات موضوعة أو منحدرة من الفصحى تغير فيها مفهوم التخفيف والتسهيل وبات ما كان سابقا مستثقلا خفيفا على لسان العربي.
إن المتأمل في كلامنا العامي يجد صيغا تتراوح بين قطبين: قطب سميته "اعتماد الأصل لا الفرع" وقطب "العدول عن الأصل". ومجال هذه المراوحة هو التصريف لتمازج القاعدة والتسهيل فيه.
1 - اعتماد الأصل لا الفرع: نجد هذه الظاهرة في تعامل اللهجات المعاصرة مع حروف العلة, وهذا التعامل من أكثر الأمور التي تختلط على الطالب العربي حين يجد نفسه بين نظامين تصريفيين متقاربين ولكنهما مختلفان. إن العربي الأول خفف على نفسه في تصريف الأفعال المعتلة ما استثقله لسانه, فصرّف:
فصحى: وقف (يقفُ, قِفْ) بدلا من (*يَوْقِفُ, *اِوْقِفْ)
ونلاحظ أن اللهجات استرجعت تلك الصيغ النظرية (رغم بعض التخفيف غير المؤثر) لمطابقة القاعدة, وذلك لأن اللسان العربي الحديث لا يستثقلها, بل وطوعها. فيقول:
لهجة: وقفَ (يُوقِفْ, أُوقِفْ)
فهذه الزيادة المقطعية رغم ثقلها, إلا أنها بابت مقبولة. وإذا توسطت العلة الفعل أو كانت فاء الفعل همزة, فقد حافظت اللهجات على كثير من تصريف الفصحى مع تسهيلها, فقالت:
فصحى: قال (يقول, قُلْ)
لهجة: قال (يقول, قُولْ)
فصحى: أَكَلَ (يأكل, كُلْ) بدلا من (*اأْكُلْ)
لهجة: أكل (يَاكُلْ, يُوكِلْ, كُولْ)
لهجة تونس: كْلاَ (يَاكِلْ, كُولْ) 1
لهجة الأردن وفلسطين: (أُوكِلْ)
لهجة الكويت: (إِكِلْ)
لهجة نجد: (كِلْ)
فصحى: وصل (يصِل, صِلْ)
لهجة: (يُوصِل, أُوصِلْ)
لهجة نجد: (ياصِل)
وعند ورود العلة والهمزة:
فصحى: جاء = (يجيء, جئْ) بدلا من (*يَيْجِئ, *اجْيِئ)
لهجة: جَا (ءْ) = (يِيجِي, إِيجَ) فصيغة المضارع هي الصيغة النظرية, وصيغة الأمر مزيج من النظرية والتخفيف.
لهجة نجد: (يِجي) ولا يستعملون منه الأمر بل يقولون: تعال
وفي حالات التضعيف فإن اللهجات تتراوح بين الإبقاء على الصيغة الفصيحة وبين الرجوع إلى الصيغة النظرية:
ف: مدّ = (مادٌّ)
ل: (مَادْ, مادّْ, مَادِدْ) للمذكر بعكس المؤنث: (مادّة)
أما في الكويت فهم يشددون المخفف ويخففون المشدد:
(رْكَبّي) بدلا من (رُكَبي) [جمع ركبة]
(معانّا) بدلا من (معَنا)
(يِحِبْني) بدلا من (يُحِبُّني)
2 - العدول عن الأصل: ينطبق هذا على صيغ البناء للمجهول مع الثلاثي, فالعربية تعمد إلى التغيير في حركات الجذر لبناء الصيغة, وهذا التغيير صعُبَ على اللهجات ووجدوا فيه تعقيدا فعمدوا إلى صيغ أخرى أكثر حروفا وأثقل نطقا.
يَنْفَعِلُ: أضافت بعض اللهجات العربية المعاصرة إلى معنى المطاوعة معنى المجهولية, فقالوا:
انْقَتَلْ, انْسَرَقْ ...
فرضوا بثلاثة مقاطع على مقطعين, لتسهيل التصريف, لا لتسهيل النطق, لأن نطق مقطعين أريح على اللسان من ثلاثة. كما استعملوا صيغ البناء للمعلوم منسوبة إلى الغائبين:
قتلوه, سرقوه ...
وفي لهجات المغرب العربي ابتدعت صيغة رغم صعوبة نطقها إلا أن أهلها فضلوها على الصيغة الفصيحة حتى يبتعدوا عن التعقيد رغم السهولة الصوتية فيه؛ ويستعملونها في المطاوعة والبناء إلى المجهول:
تِقْتِلْ, تِسْرَقْ – يِتِّقْتِلْ, يِتِّسْرَقْ
أما في نجد فالصيغة بتسكين أول الفعل:
(سْرق) = (سُرِقَ)، (كْسِر) = (كُسِر)
(يِسْرَق) = (يُسْرق) , (يِكْسَر) = (يُكسر)
خلاصة هذه الملحوظات أن الأذن العربية المعاصرة تختلف عن العربية الأولى, ليس فقط بسبب الابتعاد عن النظام النحوي, بل وكذلك بسبب إعادة تحليل للصيغ الصرفية, فألفى العربي نفسه يرجع إلى الصيغ الأولى التي انبثقت منها الصيغ المخففة التي اعتمدتها العربية من بعد, فتغير بذلك مفهوم التسهيل والتخفيف عند العربي, وهذا من أسباب ضعف الناشئة في الصرف وفي النطق الفصيح. هذا والله تعالى أعلم وأحكم.
المراجعة وبعض الأمثلة من لهجات الجزيرة العربية بمساعدة الأستاذ الدكتور الشمسان.
1 الملاحظ في لهجات المغرب العربي استثقال الهمزة في أول الكلمة, فحذفوها, وتسكين الحرف الأول, فسكنوه, وللضرورة المقطعية أضافوا ألفا قياسا على "مْشَى"
ـ[أ. د. أبو أوس الشمسان]ــــــــ[08 - 03 - 2009, 10:31 م]ـ
موضوع طريف وملاحظات دقيقة يمكن أن توسع وتعمق.
لهجة نجد: (ياصِل)
الصواب: ياصَل.
¥