[علم اللغة الحديث بدايات وتطور]
ـ[صدام الفايز]ــــــــ[21 - 02 - 2009, 10:45 ص]ـ
:::
نقلا عن محاضرات للدكتور صلاح كزارة -جامعة حلب
ليس لي الا النقل والعمل للطالب احمد عابد
تمهيد:
يتميز الإنسان عن سائر الكائنات الأخرى بميزتين أساسيتين هما: العقل والمنطق، فقد كرَّم الله سبحانه وتعالى آدم بالعقل وعَلَّمَه الأسماء كلها وكانت مَلَكَته العقلية هي التي تقف خلف مَلَكَتهِ اللغوية، وهاتان الميزتان هما اللتان جعَلَتَا الإنسان يشعر بتميُّزه عن سائر المخلوقات من حوله.
من هنا بدأ الإنسان يُفَكِّر باللغة , من أين أتت؟ لماذا خُصَّ بها دون غيره من المخلوقات؟ وما هي لغة آدم الأولى التي ظهرت على سطح الأرض؟
كانت الإجابات مختلفةً متعدِّدَةً باختلاف الشعوب و تعدُّدها , فقد قال العرب إنَّ اللغة الأولى هي العربية , وقال الفرس إنها الفارسية , وقال اليونانيُّون إنها اليونانية، ولكنَّ وجهات النظر هذه تبقى مجرَّدَ أقوالٍ شعبيَّةٍ لا تستند إلى أُسُسٍ علميَّةٍ , لذلك نشأ ما يُسَمَّى بعلم اللغة الشعبي الذي يُمَثِّلُ وجهات نظرٍ تخمينيَّةً وآراءً بدائيَّةً عن أصل اللغة ونشأتها.
كان الإنسان البدائي يُفَكِّر في كل ما حوله , بما في ذلك اللغة , وهذا أمر طبيعيٌّ ناتجٌ عن دافع الفضول الإنساني وحب الاستطلاع , الذي أدى في بعض الحضارات القديمة إلى نشوء علومٍ في بعض مجالات الظواهر الطبيعية المحيطة بالمجتمع , فكان سبب نشأة هذه العلوم هو الوعي بالذات الناتج عن مَلَكته العقلية التي استدعت التفكير.
ومن هذه العلوم التي نشأت قديماً علمُ اللغة , فعلم اللغة أو اللسانياتُ الحديثةُ هي نتاجُ الماضي , وهي في الوقت نفسه تشكل مادةً للمستقبل، لذا علينا ألاَّ نحتقِرَ جُهود القدماء لأنها كانت بالنسبة لهم إنجازاً في ذلك الوقت , فالعلماء في كل جيل لا يبدؤون من الصفر , وإنما ينطلقون من النقطة التي توقَّف عندها القدماء، ومن هذا المنطلق فإنَّنا نؤكِّدُ أنَّ المعرفةَ عمليَّةٌ تراكميَّةٌ تقدُّميَّةٌ.
بدايات نشوء علم ا للغة وجهود القدماء
بدأت العلوم اللغوية بالظهور نتيجة عناية الإنسان باللغة , وذلك عندما شعر بأهميتها كونها أداةَ تواصلٍ تُمَيِّزه عن غيره , وتستطيع أن تُخَلِّد فكره , وتحفظ آثاره.
والعناية باللغة كانت في أكثر من مركز من مراكز الحضارات القديمة؛ في الهند واليونان وبلاد الرافدين وبلاد الشام , لكنَّ ما نشأ في كلِّ مركز من هذه المراكز كان بمعزل عمَّا نشأ عند الآخر , فما تَوَصَّل إليه الهنود كان منعزلاً ومختلفاً عمَّا تَوَصَّل إليه اليونانيُّون , والسبب الأساسي في هذه العزلة هو الحدود الطبيعية من أنهارٍ وجبال وغيرها مما كان يفصل بين الشعوب.
ولكن عندما تواصلت هذه الحضارات عن طريق الحروب أو المعاهدات أو غيرها أخَذَ كُلٌّ منها عن الآخر واغتنى علم اللغة.
المنجزات اللغوية عند الهنود القدماء
تعدُّ الهندُ موطن ولادة علم اللغةِ، إذ ظهرَ فيها الاهتمامُ بعلمِ اللغةِ أو بدراسةِ اللغةِ، وذلك لغاياتٍ وأسبابٍ عمليَّةٍ نفعيَّةٍ تطبيقيَّةٍ، ذلكَ لأنَّ اللغةَ الهنديَّةَ القديمةَ (السنسكريتيَّةَ) هي لغة النصوصِ الدينيَّةِ المقدَّسةِ التي تُسمَّى بنصوصِ (الفيدا) نصوصِ الديانة البوذيَّة، هذه الأناشيد أو التَّراتيل الدِّينيَّة التي كتبت بالسنسكريتيَّةِ القديمةِ أضحت غيرَ مفهومةٍ بالنِّسبةِ إلى الأجيالِ الجديدةِ التي تعوَّدت على اللَّهجاتِ بعيداً عن السنسكريتيَّةِ الأصلِ.
وسُمِّيَ النَّحوُ عندَ الهنودِ القدامى باسمِ (فياكارنا) وظهرت المعاجم قبل الميلادِ بفترةٍ طويلةٍ، وكانت تحتوي على الكلماتِ غيرِ المفهومةِ الواردةِ في أناشيدِ الفيدا، حيث قام اللغوي (باسكا) بوضعِ شروحٍ للغةِ الفيدا، كما يُعدُّ (براهمن بانيني) من أشهر اللغويينَ الهنود، والذي ألَّفَ نحوَ اللغةِ السنسكريتيَّةِ، وقد سمَّاهُ (سوزا).
يتألَّف نحو بانيني هذا من ثمانيةِ أجزاءٍ، أو من أربعةِ آلافِ قاعدةٍ شعريَّةٍ قديماً كانت تُحفَظُ غيباً، ويحتوي هذا الكتابُ على تحليلٍ صرفيٍّ دقيقٍ جدَّاً للُّغةِ السنسكريتيَّةِ، كما يحتوي على وصفٍ جزئيٍّ لنظامها الصُّوتيِّ.
¥