أما صلاح قراءتها آية بالإفراد؛ فإن طلب أحدهم آية تنزل على النبي عليه الصلاة والسلام، وعلى مسمع من الجميع، وموافقتهم له في طلبه، ما يشير إلى أن المراد آية واحدة في مجلس واحد، وبلفظ واحد لأحدهم نائبًا عنهم، فكأن القائل جمعًا، وليس فردًا واحدًا.
وأما صلاحها بالقراءة بالجمع فلأن المشركين طلبوا أكثر من آية، وتفصيل ذلك موجود في سورة الإسراء، فدل على أن المراد بآيات وليس آية، وجاء الرسم صالحًا للقراءتين، وفي القراءتين تفصيلاً وبيانًا لاختلاف المواقف وإرادة السائلين، والآية والآيات المطلوبة شرطها أن تشاهد أمام أعين السائلين، فبسط التاء في كل الأحوال هو الأنسب.
أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي
[ center] بسم الله الرحمن الرحيم
(16) - بسط تاء جمالت
- جمالت: وردة مرة واحدة فقط.
قال تعالى: (كَأَنَّهُ جِمَلَتٌ صُفْرٌ (33) المرسلات.
قرأ حفص وحمزة والكسائي وخلف: جُمالة؛ بالإفراد.
وقرأ رويس: جُمالات؛ بالجمع وضم الجيم.
وقرأ الباقون: جِمالات؛ بالجمع وكسر الجيم.
جمالة جمع جمل، والجمالات جمع الجمع.
وجاءت القراءتين بالجمعين معًا.
فمن رأى النار رأى الشرر يتطاير منها كأنه جمالة صفر.
ولما كانت النار من السعة بحيث لا يحصرها الناظر بنظره، فإن الناظر أو المعذب فيها؛ يرى بعضًا من الشرر الذي ترميه النار لا كله، وما يراه هو كثير، وما يخفى عنه أعظم، لذلك جاءت القراءتين في بيان عظم ما ترمي به النار من شرر، مما يراه الناظر له، ومما لا يراه من نفس الموضع الذي ينظر منه.
واختيار تشبيه الشرر بالجمالة بسبب ضخامة حجمها، وأن الجمل سبب تسميته هو تكدس الدهن في سنامه، والتجمل هو مسح الوجه والجلد عند العرب بالدهن، وهو مأخوذ من الجمال، والدهن من الوقود الشديد الاحتراق والحرارة، ويقفز بشدة من موضعه إذا اشتدت الحرارة عليه، أو إذا أصابه بعض الماء.
وأما اختيار التشبيه باللون الأصفر فلأن هذا اللون من الألوان الفاقعة الصارخة، فهو أجلب للنظر، وأرهب للنفس، وعلامة من علامات المرض، وموت النبات ويبسه وخلوه من الماء والرطوبة، ومن ذلك سمي شهر صفر لخلو مكة المكرمة من الحجاج والزوار بعد أشهر الحج ومحرم، والصفير يحصل من مرور الهواء بشدة في المكان المحصور الفارغ أو الخالي ... فبسط التاء هو الأنسب مع القراءتين، وهما جمع، والجمع من حقه أن تبسط تاؤه .. والله تعالى هو الأعلم.
أبو مسلم/ عبد المجيد العرابلي
بسم الله الرحمن الرحيم
(17) - بسط تاء ثمرت
ثمرات: وردت ثمرات (15) مرة بالجمع، واحدة منها فقط، قرأت بالإفراد في سورة فصلت.
قال تعالى: (إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَا تٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (47) فصلت.
قرأ نافع، وابن عامر، وحفص، وأبو جعفر: ثمرات؛ بألف بعد الراء على الجمع.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، والكسائي، ويعقوب: ثمرة؛ بالإفراد ووقف عليها بالهاء.
وقرأ شعبة، وحمزة، وخلف العاشر: ثمرت؛ بالإفراد ووقف عليها بالتاء.
"ثمرة" في هذا الموضع هي اسم جنس؛ لأنه أتي قبلها "من" التي هي للتبعيض؛ فدل على أن المقصود أكثر من ثمرة، وبهذا الأسلوب يلغي لفظ المفرد عن وجود فوارق في مكونات الجمع، فيشمل بذلك كل الجنس؛ فهي إذن دالة أيضًا على الجمع كدلالة ثمرات، وجاء بعدها في نفس الآية "من أنثى" على نفس التفسير، وهي شاملة لكل أنثى يحصل لها حمل، والحمل يحصل للأكثر الإناث، ويحصل مع الأنثى الواحدة مرات عديدة.
أما مجيء "من" مع ثمرات؛ فليس كل الثمر يخرج من أكمام، وخاصة النبات الذي يتكون ثمره في بطن الأرض، وقال: من أكمامها ردًا على المفرد ولم يقل: من أكمامهن ردًا على الجمع؛ لأن الأكمام تسقط مع سقوط الثمر، ولا يتكرر منها إخراج الثمار، ومن الكم الواحد لا يخرج إلا ثمرة واحدة.
وبسط التاء ليس لصلاح القراءتين فقط، ولكن لدلالة المراد بالثمرة أنها اسم جنس؛ فهي جمع، ومن حق الجمع أن تبسط تاؤه؛ لأنه ظاهر لا يخفى بغيره، خلاف المفرد الذي يخفى بين الجمع من أقرانه.
¥