تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وتجدر الإشارة هنا إلى أن البحث في الإعجاز البلاغي للقرآن الكريم قد اتخذ سبيلين: أولهما التفاسير القرآنية؛ إذ كان من عدة المفسر قبل تعرضه للنص القرآني بالتفسير والتحليل، أن يلم بعلوم البلاغة، وفنون الفصاحة والقول، وذلك إلى جانب الكثير من العلوم الأخرى مثل الفقه واللغة والحديث الشريف والأحكام وغريب اللغة وغير ذلك. وعلى هذا فإن تفاسير القرآن على اختلاف أنواعها ما بين اللغوية والتفسير بالمأثور، والتفسير بالرأي، قد احتوت بين جوانبها لمحات بلاغية وإشارات دلالية في الآيات القرآنية. وثانيهما الكتب التي أفردت لموضوع إعجاز القرآن بصفة عامة، والإعجاز البلاغي بصفة خاصة. والمقصد هنا في هذا الفصل هو الكتب التي تناولت الإعجاز القرآني ومن ثم الإعجاز البلاغي.

وعلى الرغم من تحديد هذه المرحلة ووصفها بصفة " البداوة " بالنسبة لمصطلح " التقديم والتأخير " إلا أنها تجاوزت تلك البداوة لتجد السبيل في الكثير من المؤلفات التي تناولت النص القرآني، وبيان نواحي إعجازه.

ولنحاول الآن الوقوف على خط سير مبحث " التقديم والتأخير " من خلال كتب الإعجاز البلاغي، محاولين تلمس الطريق الذي سلكه أعيان البلاغيين عند بحثهم للإعجاز البلاغي للنص القرآني، والوقوف على دلالات التقديم والتأخير في الآيات القرآنية.

فقد كانت جهود البلاغيين في بحثهم للإعجاز البلاغي للنص القرآني هادفة إلى بيان عظمة هذا النص، وتفرده على كلام البشر بشكل لا يقبل معه نقاش، ولايسمع فيه جدال. والحق أن هذه الجهود العظيمة أثمرت فيما أثمرت تراثاً بلاغياً مازلنا نغترف من مناهله ونتشرب من منابعه الكثير من الآراء والتحليلات الرائعة.

وقد اشتمل جهد البلاغيين القرآنيين – إن جاز الوصف – فيما اشتمل على إضاءات رائعة لمبحث " التقديم والتأخير " في الآيات القرآنية التي تعرضوا لها. فقد وقف البعض أمام هذه الآيات محاولاً استكناه أسرار المبحث فيها، واكتفي البعض الآخر فقط بالإشارة إلى مواضع " التقديم والتأخير" في هذه الآيات. هذا التناول كان عرضة للعديد من الملحوظات نجملها فيما يلي:

أولاً: فيما يتعلق بتسمية المصطلح

الشيء المثمر حقا في المرحلة أن جميع البلاغيين فيها اتفقوا في تناولهم لمبحث " التقديم والتأخير " على روح المصطلح ودلالاته المتعددة رغم تعدد المسميات له. فنجد أولى الإشارات البلاغية للمصطلح في هذه المؤلفات عند أبي عبيدة معمر بن المثنى (ت 210هـ) في كتابه " مجاز القرآن " إذ يقول: " ومن مجاز المقدم والمؤخر قال: (فَإِذاَ أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ) () أراد: ربت واهتزت " (). فهو في هذا النص يربط بين " المجاز" و" التقديم والتأخير " بل ويجعله جزء من المجاز. وقد اعتمد أبو عبيدة تسمية للمصطلح على مدار الكتاب لم يعمد إلى خلافها هي " المقدم والمؤخر " وذلك في سبعة مواضع متفرقة من هذا الكتاب ().والنص السابق يشير إلى " التقديم والتأخير " المعنوي من حيث ترتيب الأحداث والأسباب والنتائج، فالماء سبب الإنبات ثم يترتب على ذلك مرحلة النضج، وعلى هذا كان تحليل أبي عبيدة للآية السابقة، فالمراد أنها ربت أولاً أي: نمت، ثم تلى ذلك نضج النبات واهتزازه كناية عن نموه وازدياده.

أما الأخفش (ت 215 هـ) في كتابه " معاني القرآن " فقد ذكر المصطلح بلفظه أي "التقديم والتأخير" ولعل ذلك مرده تخصصه الأصيل وكونه نحوياً. يقول في أثناء حديثه عن سورة الأعراف: " قال في أول السورة: (كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ لِتُنْذِرَ بِهِ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْه) () هكذا تأويلها على التقديم والتأخير وفي كتاب الله مثل هذا كثير " (). والواضح أن إشارته إلى تقديم (لتنذر به) على (فلا يكن في صدرك حرج منه) من قبيل التنبه إلى التقديم والتأخير المعنوي، ومن باب تقدم السبب على المسبب، فالإنزال سبب الإنذار.

والأخفش في سائر المواضع التي تناول فيها "التقديم والتأخير" يعتمد المصطلح كما هو وذلك في ثلاثة مواضع في الكتاب ().

أما ابن قتيبة (ت 276هـ) في كتابه " تأويل مشكل القرآن " فقد اعتمد للمصطلح اسمين هما " التقديم والتأخير " () و " المقدم والمؤخر" ().

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير