تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والباقلاني (ت403هـ) يتناول المصطلح عَرَضاً في كتابه " إعجاز القرآن " في أثناء حديثه عن إثبات مناحي الإعجاز المختلفة للنص القرآني مقارنة بالنص البشري المتمثل في معلقة امرئ القيس. وقد ورد ذكر المصطلح عند الباقلاني مقلوبا هكذا " التأخير والتقديم " ويكاد يكون الوحيد من البلاغيين بل والنحويين الذي أورد المصطلح على هذه الصورة. يقول: " البيت الثالث وإن كان معناه مكررا فلفظه مضطرب بالتأخير والتقديم يشبه ألفاظ المبتدئين " ().

والشريف الرضي (ت406هـ) في كتابه " مجازات القرآن " يعتمد المشهور في تسمية المصطلح وهو " التقديم والتأخير " إذ يقول: " قوله تعالى: (أَرَأَيتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) () وهذه استعارة على أحد التأويلين، وهو أن يكون في الكلام تقديم وتأخير، فكأنه تعالى قال: أرأيت من اتخذ هواه إلهه. معنى ذلك أنه جعل هواه آمرًا يطيعه، وقائداً يتبعه، فكأنه قد عبده لفرط تعظيمه له ". ()

أما القاضى عبد الجبار (ت415هـ) فقد تحدث في كتابه " المغنى" عن "التقديم والتأخير" وجعله من مزايا الكلام، وأورد المصطلح باسم " التقدم والتأخر " يقول:" الذى تظهر به المزية ليس إلا الإبدال الذى تختص به الكلمات، أو التقدم والتأخر الذى يختص بالموضع، أو الحركات التى تختص بالإعراب، فبذلك تقع المباينة" ()

والكرمانى (ت بعد500هـ) في كتابه " البرهان في متشابه القرآن" يعتمد تسمية المصطلح باسم" التقديم والتأخير". يقول: " فسر بعضهم قوله تعالى: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتيِلاً) () أى: اقرأه على هذا الترتيل من غير تقديم ولا تأخير". () وأورد هذه التسمية في كتابه في سبعة عشر موضعا ()

وابن أبى الإصبع المصري (ت654هـ) يعتمد تسمية المصطلح باسم" التقديم والتأخير" في كتابه" بديع القرآن"، ويجعل هذه التسمية مدار بحثه في هذا المصطلح، وعلاقته مع ألوان البديع القرآنى، مثلما نجد ذلك في حديثه عن صحة التقسيم بقوله معلقاً على قوله تعالى: (يَهَبُ لمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورُ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً) () " وقعت صحة التقسيم في هذه الآية على الترتيب الذى تقتضيه البلاغة، وهو الانتقال في النظم من الأدنى إلى الأعلى، إذ قدم فيها هبة الإناث، وانتقل إلى هبة الذكور، ثم إلى هبة المجموع، وجاء كل أقسام العطية بلفظ الهبة، وأفرد معنى الحرمان بالتأخير لأن إنعامه على عباده أهم عنده، وتقديم الأهم واجب في كل كلام بليغ " (). وأدار المصطلح في كتابه مبْينا على علاقته وتداخله مع ألوان البديع القرآنى المختلفة وذلك في خمسة مواضع. ()

ونخلص من هذا: إلى أن المصطلح دار في إطار عدة تسميات شكلية كان محورها الأساسى واحد ودلالتها البلاغية متفقة، فقد فهم البلاغيين هذا المحور وأداروا حديثهم في مؤلفاتهم تأسيسا على هذا الأساس.

ثانياً: فيما يتعلق بمحاولة البلاغيين التأصيل لمبحث " التقديم والتأخير" كظاهرة بلاغية، وردها إلى استعمال العرب لها، ووقوفهم على ما فيها من جماليات نسقية ونظمية، وما تؤديه من إشراقات بيانية دلالية غاية في الروعة. فأبو عبيدة يقول:" قال تعالى: (تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ) () العرب إذا بدأت بالأسماء قبل الفعل جعلت أفعالها على هذا الصدد فهذا المستعمل، وقد يجوز أن يكون الفعل على لفظ الواحد كأنه مقدم ومؤخر كقولك: وتفيض أعينهم ". () فهو هنا في أثناء حديثه عن أفضلية الابتداء بالاسم، أو مزية الابتداء بالفعل باستخدام " التقديم والتأخير" إنما جعل مسوغه لاستخدام هذا الأسلوب هو استخدام العرب ومعرفته له، وإن كان أبو عبيدة اللغوى لم يرجح رأياً بل اكتفي بنقل تجويز العرب للوجهين. والأخفش في تناوله للآيات القرآنية المختلفة الترتيب والنظم "بالتقديم والتأخير"، يرد ذلك الاختلال التركيبى ليس إلى مقاصد جمالية وإنما إلى معرفة العرب لهذا السبيل، وكثرته في كلامهم. يقول: " ومثل هذا في كلام العرب وفي الشعر كثير في " التقديم والتأخير". ()

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير