تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

و: "شيئا": نكرة في سياق الشرط فتفيد العموم، وقد دخله التخصيص من جهة أخرى، كما في حديث عبادة رضي الله عنه: (فكان فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا، عندكم من الله فيه برهان).

وللأمر ضوابط شرعية دقيقة ينظر فيها إلى المصلحة والمفسدة، أيما نظر، فلا ينظر فيها إلا الراسخون في العلم لا آحاد الناس لئلا يصال على الأديان والأبدان والأعراض كما يقع دائما زمن الفتن.

فليصبر: أمر على بابه.

و "أل" في الجماعة: عهدية، أيضا، تشير إلى معهود بعينه هو: الجماعة الشرعية.

وقد استعار المباعدة الحسية للمباعدة المعنوية، كما دل على ذلك لفظ: "الشبر" وهو مما يستعمل في قياس المحسوسات.

إلا مات ميتة جاهلية: "ميتة" مصدر موطئ لما بعده إذ محط الفائدة في وصف الميتة بالجاهلية لا في ذات الميتة فإن منها هو شريف كما أن منها ما هو وضيع.

وقد يقال بأن فيها: تشبيها بليغا، إذ تقدير الكلام: إلا مات ميتة كميتة الجاهلية في قبحها، فحذف أداة التشبيه ووجه الشبه مبالغة في التشبيه، فكأن المشبه عين المشبه به.

&&&&&

وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِه"

خبر فيه معنى الوعيد.

وفيه أيضا: استعارة المفارقة الحسية للمفارقة المعنوية.

ربقة: استعارة العقد الحسي الذي تربط به صغار الغنم للعقد المعنوي: استعارة تصريحية أصلية في الاسم الجامد: "ربقة".

&&&&&

ومنه قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي"

فـ: "من": صيغة عموم لا مخصص لها في أعيان الطائعين، وإن خصت في أفعالهم بالطاعة في المعروف، مصداق قوله صلى الله، عليه وعلى آله وسلم: (إنما الطاعة في المعروف)، فالقصر حقيقي على أصله لا إضافي باعتبار طاعة دون طاعة، فطاعة الحاكم أو الوالدين أو العلماء أو .......... إلخ لا تكون إلا في المعروف، فلا طاعة مطلقا إلا بقيد عصمة الأمر، وذلك لا يكون إلا في أمر الله، عز وجل، وأمر رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الشرعيات: علما وعملا، بخلاف شفاعته صلى الله عليه وعلى آله وسلم في نحو حديث بريرة، رضي الله عنها، فلو كان ذلك أمرا شرعيا لما وسعها الرد، وبخلاف أمر الدنيا من جهة: الكيف لا من جهة استقلاله عن سلطان الشرع الحنيف كما يروج العلمانيون، أدعياء العلم ووصف الجهل بهم أليق.

والشرط قد سيق مساق الإلهاب والتهييج على امتثاله رجاء تحقق المشروط، فإن طاعة الله، عز وجل، مراد كل عاقل، إذ هو الخالق البارئ المصور المدبر، فلا يستحق الطاعة مطلقا إلا هو، ورسله فرعا على طاعته، فما استحقت الرسل، عليهم السلام، الطاعة المطلقة إلا لكونهم المبلغين عن ربهم، عز وجل، وفي التنزيل: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا)، فـ: "أل" في "الرسول": إما أن تكون عهدية ذهنية تشير إلى رسول بعينه هو الرسول الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وإما أن تكون جنسية تشير إلى جنس الرسل المستحقين جنس الطاعة المطلقة، ولا تعارض بين كلا القولين.

وفي الآية: جناس اشتقاقي بين: "يطع" و "أطاع" فمصدرهما واحد، والإتيان بالماضي في الجواب باعث على سرعة الامتثال لعظم المشروط، فمن يطع الرسل فقد أطاع الله، جزما وتحقيقا دلت عليه "قد" التي دخلت على المضارع فأفادت التحقيق وهذا آكد من قولك: من يطع الرسل يطع الله.

والشق الثاني من الآية مقابل للشق الأول: فمقابل: "الطاعة": "التولي"، فبينهما مقابلة أو طباق بالإيجاب بالنظر إلى مبنى كل منهما مقطوعا عن سياقه الذي ورد فيه، وفي المقابلة من: الحض على الاتباع ببيان عاقبة المخالفة ما فيه، فالضد يجلي عاقبة ضده، والاكتفاء بالوعد دون الوعيد يغري المتفلتين بالعصيان، ولذلك كانت نصوص الجزاء: وعدا للطائع ووعيدا يقابله للعاصي , فهما الجناحان لطائر الإيمان، فمن غلب الوعد فقد مال إلى قول أهل الإرجاء والغرور، ومن غلب الوعيد فقد مال إلى قول أهل القنوط والخروج الذين قنطوا العباد من رحمة رب العباد، وخير الأمور أوسطها.

وقد سلك الحديث نفس المسلك من المقابلة في الشرط والجزاء فمقابل:

(مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ): (وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ)، فقابل بين الطاعة والعصيان.

وكذا في الشق الثاني:

وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي

وفي نسبة الأمير إليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم مزيد تعظيم وتشريف له، فهو يستحق الطاعة فرعا على طاعة موليه، كما أن الرسول يكتسب التعظيم فرعا على عظمة مرسِله، والتعظيم أحد أغراض التعريف بالإضافة بإضافة الشيء إلى معظم فيكتسب التعظيم فرعا عليه، إذ المضاف يأخذ حكم المضاف إليه: لفظا ومعنى كما تقدم.

ولا يلزم أن يكون الأمير مولى من قبل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن الإضافة هنا مئنة من امتثال أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فالأمير في الأعصار المتأخرة إن أطاع أمره، فهو مولى من قبله، وإن لم تكن التولية مشافهة، إذ امتثاله ما جاء به من الوحي، مئنة من صحة ولايته، فبسلطان الشرع يحكم، وبرسم الوحي ينهى ويأمر، فإن حاد فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإن نهينا عن الخروج عليه حسما لمادة الشر ودرء لفساد القتل والهتك، فصبرنا على فساده شيء، وطاعته ومعونته على ذلك شيء آخر.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير