تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الآن بزيد هو الذي عَرَفه بأبي عبد اللَّه، من الأوصاف التي لكل وَصْف منها جنسٌ هو أصل فيه، ومُقدَّم في معانيه فاستعارةُ الاسم للشيء على معنى ذلك الشَّبه تجيء سهلةً مُنْقادة، وتقع مألوفةً معتادة، وذلك أنّ هذه الأوصافَ من هذه الأسماء قد تعورف كونها أصولاً فيها، وأنها أخصُّ ما توجد فيه بها، فكل أحد يعلم أن أخصَّ المنيرات بالنور الشمسُ، فإذا أُطلقَتْ ودلَّت الحال على التشبيه، لم يخفَ المرادُ، ولو أنك أردت من الشمس الاستدارة، لم يَجُزْ أن تدلّ عليه بالاستعارة، ولكن إن أردتها من الفَلَك جاز، فإن قصدتها من الكُرة كان أبْين، لأن الاستدارة من الكُرة أشهر وصفٍ فيها، ومتى صَلَحت الاستعارةُ في شيء، فالمبالغة فيه أصلح، وطريقها أوضح، ولسان الحال فيها أفصح، أعني أنك إذا قُلتَ: " يا ابن الكواكبِ من أئمّة هاشمِ " وَ: " يا ابنَ الليوثِ الغُر " فأجريت الاسمَ على المشبَّة إجراءَه على أصله الذي وُضع له وادّعيتَه له، كان قولك: هم الكواكب و هم الليوث أو هم كواكب وليوث، أحْرَى أن تقوله، وأَخفَّ مَؤُونةً على السامع في وقوعِ العلم له به. واعلم أن المعنى في المبالغة وتفسيرنا لها بقولنا جَعَلَ هذا ذاك، وجعله الأسد وادّعى أنه الأسد حقيقةً، أنّ المشبِّه الشيءَ بالشيء من شأنه أن ينظرَ إلى الوصف الذي به يجمع بين الشيئين، وينفيَ عن نفسه الفكرفيما سواه جملةً، فإذا شبَّه بالأسد، ألقى صورة الشجاعة بين عينيه، ألقى ما عداها فلم ينظر إليه، فإنْ هو قال زيد كالأسد، كان قد أثبت له حظّاً ظاهراً في الشجاعة، ولم يخرج عن الاقتصاد، وإذا قال هو الأسد، تناهَى في الدعوى، إمّا قريباً من المحقِّ لفرط بسالة الرجل، وإما متجوِّزاً في القول، فجعله بحيث لا تنقص شجاعته عن شجاعة الأسد ولا يَعْدَمُ منها شيئاً، وإذا كان بحكم التشبيه، وبأنه مقصودُه من ذكر الأسد في حكم مَن يعتقدُ أنّ الاسمَ لم يوضع على ذلك السَّبعُ إلا للشجاعة التي فيه، وأنّ ما عداها من صورته وسائر صفاته عِيالٌ عليها وتَبَعٌ لها في استحقاقه هذا الاسمَ، ثم أثبتَ لهذا الذي يشبِّهه به تلك الشجاعةَ بعينها حتى لا اختلافَ ولا تفاوتَ، فقد جعلَهُ الأسدَ لا محالة، لأن قولنا هو هو على معنيين أحدهما أن يكون للشيء اسمان يعرفه المخاطَبُ بأحدهما دون الآخر، فإذا ذُكر باسمه الآخر توهَّم أن معك شيئين، فإذا قلت: زيد هو أبو عبد اللَه، عرّفته أن هذا الذي تذكر الآن بزيد هو الذي عَرَفه بأبي عبد اللَّه (ص90) والثاني أن يراد تحققُ التشابُه بين الشيئين، وتكميلُه لهما، ونَفْيُ الاختلاف والتفاوت عنهما، فيقال: هو هو، أي لا يمكن الفرقُ بينهما، لأن الفرق يقع إذا اخْتُصَّ أحدهما بصفةٍِ لا تكون في الآخر، هذا المعنى الثاني فرعٌ على الأوّل، وذلك أن المتشابهين التشابُهَ التامَّ، لمَّا كان يُحسَبُ أحدهما الآخر، ويَتوهَم الرائي لهما في حالين أنه رأى شيئاً واحداً، صاروا إذا حققوا التشابُه بين الشيئين يقولون هو هو، والمشبّه إذا وقف وَهْمَه كما عرَّفتُك على الشجاعة دون سائر الأمور، ثم لم يُثبت بين شجاعة صاحبه وشجاعة الأسد فرقاً، فقد صار إلى معنى قولنا: هو هو بلا شبهة. وإذا تقررت هذه الجملة فقوله " فإنك كالليل الذي هو مدركي " إن حاولت فيه طريقة المبالغة فقلت: فإنك الليل الذي هو مدركي، لزمك لا محالة أن تعْمِد إلى صفةٍ من أجلها تجعله الليل، كالشجاعة التي من أجلها جعلت الرجلَ الأسدَ، فإن قلت تلك الصفةُ الظُّلمةُ، وإنّه قصد شدّةَ سخطِه، وراعى حال المسخوط عليه، وتوهّم أن الدنيا تُظلم في عينيه حسَب الحال في المُسْتَوْحِش الشديد الوَحْشَة، كما قال " أَعيدوا صَباحِي فَهْوَ عند الكواعبِ " قيل لك هذا التقدير، إن استجزناه وعملنا عليه، فإنا نحتمله، والكلامُ على ظاهره، وحرف التشبيه مذكورٌ داخلٌ على الليل كما تراه في البيت، فأمّا وأنت تريد المبالغة، فلا يجيء لك ذلك، لأن الصفات المذكورة لا يُواجَه بها الممدوحون، ولا تُسْتعار الأسماء الدالّة عليها لهم إلا بعد أن يُتدارك وتُقرَن إليها أضدادها من الأوصاف المحبوبة، كقوله " أنت الصَّاب والعَسَلُ " ولا تقول وأنت مادح أنت الصابُ وتسكت، وحتى إن الحاذقَ لا يرضى بهذا الاحتراز وحده حتى يزيد ويحتال في دفع ما يَغْشَى النفسَ من الكراهة بإطلاق الصفة التي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير