بحق سواه، فإن فعلنا ذلك: فـ: (لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا)، فدعاء غير الله، عز وجل، شطط، نبهت الآية عليه بـ: "اللام" و "قد" التي دخلت على الفعل الماضي فأفادت التحقيق، فذلك شطط جزما بلا شك، و "إذاً"، ونكر "شططا" إمعانا في تعظيم خطره، فهو شطط عظيم يفسد أمر الدين والدنيا معا، فالمشرك أتعس الناس وأقلهم طمأنينة في الدنيا وأخسرهم صفقة في الآخرة، وفي الإتيان بالمصدر "شططا" زيادة تعظيم لقبح ذلك، فتقدير الكلام كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله: لقد قلنا قولا ذا شطط، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه إمعانا في الوصف على وزان: جاء زيد ركضا، والقياس: راكضا، ولكنه أتى بالحال التي هي وصف لصاحبها على صيغة المصدر مبالغة، فكأنه من شدة ركضه صار هو الركض ذاته.
وفي الكلام إيجاز بحذف شرط مقدر دلت عليه: "إذاً" فتقدير الكلام: لو فعلنا ذلك لقد قلنا إذاً شططا.
هؤلاء قومنا: إشارة إليهم بالبعيد تحقيرا لشأنهم إذ أشركوا بالله عز وجل.
اتخذوا من دونه آلهة: إشعار بتكلفهم ذلك، فالاتخاذ من "الافتعال" وهو مظنة التكلف وعدم الصدق.
لولا يأتون: تحضيض يفيد التحدي والزجر، فهلا أتيتم ببرهان على صحة دعواكم أو هو مجرد تحكم لا مستند له كحال أهل الباطل في كل عصر ومصر، فهو تبكيتٌ لهم وإلقامُ حجرٍ كما يقول أبو السعود رحمه الله.
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا: استفهام يفيد النفي فلا أظلم ممن افترى على الله كذبا قليلا كان أو كثيرا فالتنكير مظنة العموم، والكلام، وإن كان خبرا، إلا أنه كما اطرد في آيات الكتاب العزيز، إن كان في الخبر معنى الوعيد: يحمل في طياته طلبا، فهو خبري المبنى طلبي المعنى، فتقدير الكلام: لا تكذبوا على الله، عز وجل، فيلحقكم وصف الظلم.
وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا:
لما حققوا كمال الألوهية فاعتزلوا آلهة قومهم إلا الله، على القول بانقطاع الاستثناء فيكون تقدير الكلام: لكن الله هو الإله الحق، أو اتصاله فيكونوا قد عبدوا الله عز وجل وعبدوا معه غيره، فتبرأ الفتية من كل معبوداتهم إلا الله عز وجل، لما حققوا كمال الألوهية ساغ لهم أن يطلبوا عطاء الربوبية من نشر الرحمة وتهيئة الأمر، وكانوا من الثقة وحسن الظن بالله، عز وجل، بمكان، إذ رتبوا ذلك على فرارهم بدينهم ترتب المشروط على شرطه، فهو واقع لا محالة، ففي الكلام إيجاز بحذف الشرط المقدر الذي جَزَمَ الفعل "ينشر" في جواب الطلب، فتقدير الكلام: إن تأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته، وقد استعار النشر الحسي للنشر المعنوي تصويرا لعظم رحمته، عز وجل، بهم، وفي حذف الشرط تعجيل بالبشرى، فالنفس تتشوف إلى جواب الشرط إذ هو محط الفائدة، ففيه الجزاء المرتقب، فبمجرد فراركم بدينكم فإن الله، عز وجل، سيجعل لكم مخرجا.
وفي تقديم "لكم" في: (يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ) و: (وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا): مزيد تشويق إلى الجزاء المرتقب كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله.
ومرة أخرى تظهر ثنائية: الرب الإله، الثنائية المطردة في الذكر الحكيم.
وإلى قصة الرجلين وفيها اطراد لمحور هذه الكلمات: محور كمال الألوهية فرعا على كمال الربوبية:
إذ يقول لصاحبه وهو يحاوره: (أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا (37) لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا)، فالاستفهام إنكاري توبيخي إذ ما بعده قد وقع فاستحق صاحبه التوبيخ، إذ كيف يكفر بالذي خلقه، والخلق من صفات الرب، جل وعلا، فكيف يكفر المخلوق بخالقه، فيخل بكمال ألوهيته، وفي تعداد أطوار الخلق مزيد تنبيه على كمال ربوبية الله، عز وجل، ولذلك أردف بقوله: (لكنا هو الله ربي)، فاستدرك بـ: "لكن"، وقصر بتعريف الجزأين: "الله" و: "ربي" وأكد بضمير الشأن: "هو" إمعانا في تحقيق ألوهية: "الله" فرعا على ربوبية "ربي".
وتستمر تلك الثنائية الخالدة مطردة في كتاب ربنا، عز وجل، لتقيم الحجة على كل جاحد من نفسه التي تتمتع بعطاء الربوبية وتجحد حق الألوهية.
والله أعلى وأعلم.
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[16 - 12 - 2008, 11:59 ص]ـ
أحسنت أخي مهاجر، وبارك الله فيك
لكن أعيد ما طلبه منك أحد الإخوة في مداخلة لك سابقة: لو تختصر قليلا أو تجزّئ مشاركتك حتى لا يُنسي كثير الكلام بعضه بعضا.
ـ[أحلام]ــــــــ[16 - 12 - 2008, 11:14 م]ـ
جزاكم الله خيرا
وبارك الله بعلمكم
وجعل ذلك في ميزان حسناتكم
¥