وهي طريقة معتادة في حشد أكبر قدر ممكن من الشبهات وإلقائها تباعا لتشتيت ذهن المناظر والتلبيس على المتلقي، ويكاد الأمر يكون مطردا في مناظرات أهل الإسلام لغيرهم من أتباع الملل، ومناظرة أهل السنة لغيرهم من أتباع النحل، ولعل مناظرات أهل السنة مع المبتدعة سبابي الصحابة، رضي الله عنهم، خير شاهد على ذلك الأسلوب الأهوج.
والآية نص في أنواع التوحيد الثلاثة:
فهي تنبه على بطلان ألوهية المسيح عليه الصلاة والسلام، إذ خلق كما خلق آدم، عليه السلام، فكان عدما ثم أوجد، والخالق لا يكون عدما يفتقر إلى موجده، فدل ذلك بمفهومه على إثبات الألوهية للإله الحق، سبحانه وتعالى، إذ هو الصمد الذي لم يلد ولم يولد، فهو الأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء، فلم يسبق بعدم ولا يلحقه فناء كسائر خلقه تبارك وتعالى. ففي الآية تعريض بمن ألهوا المسيح عليه السلام وحض لهم على تأليه الله، عز وجل، المعبود الحق. فهذا توحيد الألوهية.
وفيها إشارة إلى خلق الله، عز وجل، لآدم وعيسى عليهما السلام، والخلق من أخص صفات الربوبية.
وفيها من إثبات صفة الخلق وصفة الكلام، وكلاهما من أوصاف الأفعال المتعلقة بمشيئة الله، عز وجل، فيخلق ما شاء متى شاء كيف شاء، ويتكلم بكلماته الكونيات والشرعيات متى شاء كيف شاء، فهذا طرف من توحيد الأسماء والصفات.
فضلا عن استعمال قياس الأولى في إبطال ألوهية المسيح عليه السلام، وهو قياس عقلي ملزم، إذ خلق آدم، عليه السلام، أعجب من خلق عيسى، عليه السلام، بل وخلق حواء، عليها السلام، أعجب من خلقه، فإن كانت وصف الألوهية يصح في حق أحد من البشر، فآدم أولى به، وإذا كان ذلك في حقه باطلا فهو في حق غيره أبطل.
وفي الآية تشبيه، قد يندرج تحت نوع: التشبيه التمثيلي، إذ ليس المراد تشبيه عيسى بآدم، بل المراد تشبيه الصورة المركبة من عيسى والآية العظيمة في خلقه بصورة أخرى مركبة من آدم وآية أعظم في خلقه، فوجه الشبه منتزع من صورة مركبة، وهو على أصله: في المشبه به أقوى منه في المشبه، إذ خلق آدم عليه السلام أعجب من خلق المسيح عليه السلام.
فالآية على وجازتها تصلح قانونا عاما في: علم مقارنة الأديان، بل إنها بلا مبالغة قد أبطلت معتقد أمة بأكملها: أمة النصارى، وأثبتت المعتقد الحق بكلماتها المعدودة وإلزامها العقلي الدامغ، فسبحان من هذا كلامه!!!.
والله أعلى وأعلم.
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[11 - 12 - 2008, 09:49 ص]ـ
جزاك الله خيرا أخي مهاجرا، ونحن دائما نتلهف لهذه اللطائف التي تمتعنا بها.
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[13 - 12 - 2008, 07:47 ص]ـ
ما أروعك أخي مهاجر، جزاك الله الجنة.
عندي اقتراح صغير ألا وهو:
تقسيم المشاركة الواحدة إلى أكثر من مشاركة متتالية، لتسهل قراءتها.
ـ[مهاجر]ــــــــ[13 - 12 - 2008, 08:32 ص]ـ
جزاكما الله خيرا أيها الكريمان الفاضلان على المرور والتعليق، وإن قدر لي أن أشارك مرة أخرى فسأمتثل اقتراح أخي اللبيب، إن شاء الله، ومشاركة سورة المائدة فيها بعض الطول فقد أرسلتها قبل مطالعة تعقيبكما. فهي خارج الشرط!!!، والله من وراء القصد.
ـ[المربد]ــــــــ[13 - 12 - 2008, 08:40 ص]ـ
ما شاء الله تبارك الرحمن
جزاك الله خيرا، ورحم الله والديك وحرمهما عن النار
شرح جميل وفائدة استفدتها من موضوعك هذا.
دمتم سالمين
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[13 - 12 - 2008, 04:28 م]ـ
الأستاذ الفاضل مهاجر:
فتح الله عليك، وزادك علمًا وفضلا.
خصيصة إعجازية بلاغية قرآنية، تعالى مبدعها علوًّا كبيرا.
ـ[الأديب اللبيب]ــــــــ[13 - 12 - 2008, 10:05 م]ـ
جزاكما الله خيرا أيها الكريمان الفاضلان على المرور والتعليق،
وجزاك الله خيرا.
وإن قدر لي أن أشارك مرة أخرى
هل تحسب أنك بالخيار، ستشارك بإذن الله -.:)
فسأمتثل اقتراح أخي اللبيب، إن شاء الله،
شكرا لك.
ومشاركة سورة المائدة فيها بعض الطول فقد أرسلتها قبل مطالعة تعقيبكما. فهي خارج الشرط!!!، والله من وراء القصد.
مسموح لك هذه المرة فقط:).
وفقك الله ورعاك وسدد على طريق الخير خطاك.