تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ: إيجاز بالحذف، ففي السياق مقدر محذوف بعد همزة الاستفهام، فتقدر جملة يعطف عليها ما بعدها بالفاء التعقيبية، فتقدير الكلام: أقنطوا من رحمة الله فلا يتوبون، أو: أزهدوا في فضل الله فلا يتوبون، أو: أغفلوا عن عظم جرمهم فلا يتوبون، وفي حثهم على التوبة مع عظم الجرم نوع تلطف معهم يقتضيه مقام الدعوة، فهو ترغيب بعد ما تقدم من ترهيب، وهذه طريقة الكتاب العزيز المطردة في ذكر الوعد عقب الوعيد، والنعيم عقب العذاب ............... إلخ من المتقابلات.

وعطف التوبة على الاستغفار: عطف مقترنين، فإنهما من قبيل الإسلام والإيمان: إذا افترقا اجتمعا، وإذا اجتمعا افترقا، فإذا افترقا دخل الاستغفار في حد التوبة، ودخلت التوبة في حد الاستغفار، وإذا اجتمعا دل الاستغفار على ما مضى، والتوبة على ما يستقبل، فاكتملت القسمة العقلية إذ المذنب نادم على الماضي عازم على الاستقامة في الحاضر والمستقبل.

والتذييل بقوله تعالى: (وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، يناسب السياق فهو غفور يستر الذنب فلا يؤاخذ عليه ابتداء، ولا يكون ذلك إلا لأهل رحمته الخاصة: رحمة "الرحيم"، فلا حظ لكافر فيها وإنكان له نصيب من رحمته العامة: رحمة "الرحمن".

مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ: تنبيه بالكناية عن لوازم النقص البشري التي تبطل مقالة من غلا في المسيح وأمه عليهما السلام، وفي التنزيل: (وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ)، فالتأكيد على الجانب البشري في الرسل عليهم الصلاة والسلام يغلق باب الغلو ويفتح باب الاقتداء، والأمر بالنظر في ختام الآية: يفيد التعجب من حالهم، إذ كيف يقبل عقل تلك المقالة مع سطوع أدلة التوحيد، فيعرض عنها إلى ميراث الآباء والأجداد و: (وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ).

قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا:

أتعبدون: استفهام إنكاري توبيخي فما بعده قد وقع منهم فعلا، وهو ما يستحق أقصى درجات التوبيخ.

مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا: نفي عموم اعتقاد الضر أو النفع في آلهة الباطل، فـ: "ضرا" و "نفعا": نكرتان في سياق النفي، وقدم الضر لأن النفس تتشوف إلى درء المفسدة قبل جلب المصلحة، وفي التنبيه على بطلان ذلك: تنبيه على بطلان ربوبيتهم فلا يملكون إيصال الضر أو النفع إلى عبيدهم، فهم: عبيد أمثالهم!!!!، وفي ذلك علة لما تقدم في صدر الآية من إبطال ألوهيتهم بتوبيخ عابديهم، فبطلان ألوهيتهم فرع على نقصان ربوبيتهم، وفيه إشارة إلى صحة ألوهية الله، عز وجل، فرعا على كمال ربوبيته، فالمنطوق يدل على المسكوت عنه، دلالة التزام، إذ نفي آلهة الباطل يقتضي لزوما إثبات وحدانية الإله الحق، جل وعلا، وهذا معنى: لا إله إلا الله، فالآية بمنطوقها تقرر النفي في: "لا إله"، وبمفهومها تقرر الإثبات في: "إلا الله"، ولا زالت ثنائية: الرب الإله مطردة في الكتاب العزيز، تلك الثنائية التي نزلت بها الكتب، وبعثت بها الرسل، وقامت بها السماوات والأرض.

وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ: تذييل يناسب المقام إذ فيه من التعريض بآلهتهم التي لا تسمع ولا تعلم، فكيف تكون آلهة وهي لا تسمع نداء عابديها ولا تعلم حالهم، في مقابل إثبات كمال ضد ذلك النقص لله، عز وجل، في سياق مؤكد باسمية الجملة، وتعريف جزأيها: "الله" و "السميع" فضلا عن ضمير الفصل: "هو"، و: "أل" في "السميع": جنسية استغراقية لعموم معاني السمع الثابتة لله، عز وجل، على الوجه اللائق بجلاله من:

سماع الدعاء كما في قوله تعالى: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)

وسماع العناية بأوليائه كما في قوله تعالى: (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى)

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير