قَالَ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ: قد يكون الكلام على حقيقته، وقد يكون على سبيل المبالغة، كما قيل في حديث: (اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ اسْتُعْمِلَ حَبَشِيٌّ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ)، فوجبت طاعة من فوقه من باب أولى، وإن لم تتصور إمرته أصلا، وإذا كان المقام مقام وعيد فالأولى حمل الألفاظ على حقيقتها لئلا يستاهل العباد في الحقوق اليسيرة فيجرهم ذلك إلى التعدي على الحقوق الجسيمة التي تتعلق بها النفوس.
&&&&&
وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ فَقَالَ لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلَانٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُهْلِكُهُ فِي الْحَقِّ فَقَالَ رَجُلٌ لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلَانٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ)
لا حسد: نكرة في سياق النفي فتفيد العموم.
والسياق سياق قصر بأقوى أدوات القصر: النفي والاستثناء.
إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ .............. توشيح بذكر الحكم مجملا ثم تفصيل أفراده، وفي ذلك تشويق وشحذ لذهن المخاطب.
رجل: خرج مخرج الغالب، فيعم النساء.
عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ: استشعار لفضل الله، عز وجل، بنسبة النعمة إليه، فهو الذي: (علم القرآن).
فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ: علم فعمل، فالتصور يسبق الإرادة، ولا حكم صحيح إلا بتصور صحيح، وأي تصور أصح من تصور من علمه الله القرآن، فهو مظنة صحة العمل، إلا من: (أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ)، فمناط الأمر: علم نافع وعمل صالح، وفي التنزيل: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ)، فقدم العلم على الاستغفار إذ تصور المعلوم باعث على تصحيح النية وإتقان العمل.
فالجملة حالية واصفة لصاحبها مقيدة لعاملها، فليس كل من علم القرآن عالما ليغبط على ذلك، بل قد يتعلمه طلبا لعرض زائل أو حظ نفس من وجاهة أو رياسة لا دوام لها.
لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلَانٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ: علو همة وسداد في الرأي، وإن لم يؤت مثله، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُهْلِكُهُ فِي الْحَقِّ: استعار الإهلاك الحسي الذي يقع على الأعيان للإنفاق الذي يقع على الأموال، ففي الكلام: استعارة تصريحية تبعية، إذ وقعت في الفعل: "يهلكه"، والحال هنا، أيضا، واصفة مقيدة.
&&&&&
وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
(مَا لِي وَلِلدُّنْيَا مَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ سَارَ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ فَاسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا)
في الحديث تشبيه تمثيلي، إذ شبه الصورة المركبة من حاله صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع الدنيا: بصورة مركبة من حال راكب قال ساعةً تحت شجرة، ثم استيقظ فمضى لحاله وتركها.
وفي تخصيص نوم القيلولة بالذكر مئنة من قصر العمر، فليست نومة كنومة الليل، وإنما محض غفوة، وفي تنكير الشجرة مئنة من الإهمال، فليست شجرة بعينها تقصد لمزيد فضل فيها من ظل أو ثمر، وإنما أي شجرة يتحقق بها المراد، فهو أمر يسير عابر لا يستدعي تكلفا في المفاضلة والاختيار فأي شجرة تؤدي الغرض.
وفي الاستفهام: إنكار على من ركن إلى الدنيا، فإذا كان هذا حال أفضل الخلق معها، فكيف يطمئن إليها عاقل، أو يأنس بها مستوحش؟!!.
&&&&&
وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
(يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْمَاشِي عَلَى الْقَاعِدِ وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ).
وفي بعض الزيادات عند أحمد رحمه الله: (وَيُسَلِّمُ الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ)
فالسياق: سياق خبري أريد به الإنشاء سواء قيل بالوجوب أو الندب، فالأمر متوجه بإفشاء السلام تأليفا للقلوب وجمعا للشتات.
وفي ذكر المتقابلات: استيفاء بديع لأوجه القسمة العقلية: الركوب والمشي، والمشي والقعود، والقلة والكثرة، والصغر والكبر.
ويتصل بهذا السياق:
¥