قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (والذي نفسي بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم)
ففيه تعظيم للأمر المقسم عليه وتشويق إلى معرفة كنهه.
وفي الكلام إيجاز بحذف نونات: "تدخلوا" و "تؤمنوا": تخفيفا.
وقوله عليه الصلاة والسلام: لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا: مقدمة أولى.
وقوله: ولا تؤمنوا حتى تحابوا: مقدمة ثانية، انتقل منها مباشرة إلى الفائدة دون تعريج على النتيجة فهي معروفة بداهة: لا تدخلوا الجنة حتى تحابوا، ففي الكلام إيجاز بالحذف دل عليه السياق.
أفلا أدلكم: تشويق آخر بالاستفهام و "ألا" التي تفيد العرض برفق في مقام الدعوة إلى الخير، وذلك أبلغ ما يكون في حمل المخاطب على الامتثال، فأطمعهم صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الفعل بتصدير كلامه ببيان ثوابه العظيم، ثم ترفق في عرضه عليهم، فانشرحت النفوس وشخذت الأذهان، فألقاه عليهم مباشرة دون فاصل: أفشوا السلام بينكم.
ويتصل به أيضا:
قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام).
فالنداء بـ: "يا" تنبيه للغافلين.
و "أل" في الناس إما تكون عهدية تشير إلى جماعة المؤمنين فهم المقصودون أصالة بخطاب المواجهة، وإما أن تكون جنسية استغراقية، فيدخلون فيها أصلا، ويدخل فيها من سواهم تبعا، ويرجح ذلك عموم خطابات الشارع، عز وجل، فهو الأصل الذي لا يعدل عنه إلا بقرينة صارفة، ولذلك كان الراجح من أقوال أهل العلم: خطاب الكفار الأصليين بفروع الشريعة كتلك المذكورات في الحديث، فهم مخاطبون بها وبما لا تصح إلا به.
أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام: سجع بديع لا تكلف فيه إذ هو تابع للمعنى، فيجليه بعبارة لطيفة يسهل حفظها واستحضارها.
و "أل" في: "السلام" و "الطعام": جنسية لبيان الماهية، و "أل" في "الأرحام": جنسية استغراقية لعموم ما دخلت عليه، والحال: "والناس نيام" وصف كاشف لا مفهوم له، فالليل مظنة النوم، وإنما جاء تنبيها على علة الأمر في ذلك الوقت بعينه، إذ العبادة في أوقات الغفلة، والليل منها، مما تشهد له جملة من النصوص.
وعقب بذكر الجزاء مباشرة انتقالا إلى الفائدة وتعجيلا بالمسرة، فحذف الشرط المقدر الذي جزم به جواب الطلب، فتقدير الكلام: إن تفعلوا ذلك تدخلوا الجنة بسلام.
&&&&&
وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم:
(المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله تعالى عنه) فـ: "أل" في: المسلم جنسية للاستغراق المجازي، إذ استغرقت أوصاف المسلم الكامل الإسلام بغض النظر عن عينه، فهو:
من سلم ........... : وهذا دليل آخر على عدم إرادة الأعيان، إذ عموم "من" الموصولة لا يتعلق بعين فلان أو فلان.
وكذلك الحال في: "المهاجر".
وفي كلا الشطرين جناس اشتقاقي بين الوصف والفعل: "المسلم" و "سلم"، و: "المهاجر" و "هجر"، إذ المعنى الكلي الجامع لكليهما واحد، فقد اشتقا من المصدر الجامد: "السلامة" و "الهجرة".
والله أعلى وأعلم.