الْخَارِجِ ذَاتٌ غَيْرُ مَوْصُوفَةٍ، فَإِنَّ هَذَا مُحَالٌ.
وَلَوْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا صِفَةَ الْوُجُودِ، فَإِنَّهَا لَا تَنْفَكُّ عَنِ الْوْجُودِ، وَإِنْ كَانَ الذِّهْنُ يَفْرِضُ ذَاتًا وَوُجُودًا، يَتَصَوَّرُ هَذَا وَحْدَهُ، وَهَذَا وَحْدَهُ، لَكِنْ لَا يَنْفَكُّ أَحَدُهُمَا عَنِ الْآخَرِ فِي الْخَارِجِ". اهـ
"شرح العقيدة الطحاوية"، ص77.
فدعوى النصارى أمر ذهني مطلق، تتجسد فيه المعاني في ذوات مستقلة توصف بها الذات الإلهية، فالأقنوم مع استقلاله الذاتي يصح وصف الذات الإلهية به، فينزل منزلة الوصف المعنوي، فيلزم من ذلك وصف الذات بالذات، أو قيام الذات المستقلة بذات أخرى مستقلة قيام الصفة بالموصوف، وهذا أمر محال لذاته لا تأتي به نبوة، إذ علوم النبوات الصحيحات لا تعارض العقول الصريحات.
فإذا تجسدت كلمة الله في ناسوت المسيح، وتجسدت حياته في أقنوم الروح القدس، صارت تلك الصفات إلى فناء بفناء تلك الأجساد، وفناء الصفة مئنة من فناء الموصوف، فتضمنت الدعوى:
جواز انفصال أو انبثاق الصفات عن موصوفها، وصيرورتها إلى الفناء بفناء الذوات أو الأقانيم التي تجسدت فيها.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
"وإن قالوا، (أي: النصارى)، المتحد به هو العلم فالعلم صفة لا تفارق العالم ولا تفارق الصفة الأخرى التي هي حياة فيمتنع أن يتحد به العلم دون الذات ودون الحياة ................ والعلم أيضا صفة والصفة لا تخلق ولا ترزق والمسيح نفسه ليس هو صفة قائمة بغيرها باتفاق العقلاء وأيضا فهو عندهم خالق السماوات والأرض فامتنع أن يكون المتحد به صفة فإن الإله المعبود هو الإله الحي العالم القادر وليس هو نفس الحياة ولا نفس العلم والكلام.
فلو قال قائل يا حياة الله أو يا علم الله أو يا كلام الله اغفر لي وارحمني واهدني كان هذا باطلا في صريح العقل ولهذا لم يجوز أحد من أهل الملل أن يقال للتوراة أو الإنجيل وغير ذلك من كلام الله اغفر لي وارحمني وإنما يقال للإله المتكلم بهذا الكلام اغفر لي وارحمني.
والمسيح عليه السلام عندكم هو الإله الخالق الذي يقال له اغفر لنا وارحمنا فلو كان هو نفس علم الله وكلامه لم يجز أن يكون إلها معبودا فكيف إذا لم يكن هو نفس علم الله وكلامه بل هو مخلوق بكلامه حيث قال له كن فيكون". اهـ
"الجواب الصحيح"، (2/ 133).
ويقال أيضا: تجسد المسيح عليه السلام من مريم البتول، عليها السلام، وروح القدس، عليه السلام، يلزم منه: حلول أقنومين في ذات واحدة، أو: حلول ذاتين في ذات واحدة، على ما تقرر من استقلال الأقانيم استقلال ذوات قائمة بنفسها، فالمسيح عليه السلام: أقنوم الكلمة، والروح القدس، عليه السلام، أقنوم الحياة، فتجسد أقنوما: الكلمة والحياة في ذات واحدة، مع ادعاء اتصاف الذات القدسية بكليهما، وذلك مما يزيد الأمر استحالة، فذات تتصف بذاتين، وإحداهما قد حلت فيها: ذاتان أو أقنومان!!!!.
وبتوالي اللوازم العقلية التي تحيل هذه المقالة يزداد الأمر تعقيدا فالخرق قد اتسع على الراتق الذي يرتقه من جانت فينفتق من آخر وهكذا في دائرة مفرغة إذ المقالة في نفسها باطلة وإن لم تقم الأدلة على ذلك، فالدليل الفطري المنزه للباري، عز وجل، عن النقائص يردها، والعقل الصريح يردها، ولا يدري الناظر كيف تقنع أنفس عوام النصارى بهذه المقالة المحالة في ذاتها، بدعوى أن ذلك أمر فوق طاقة العقل، فيكون الإيمان عندهم من جنس التكليف بالمحال، وهو غير واقع شرعا، وإن جوزه بعض المتكلمين عقلا، ولجواز وقوع الدعوى يجب أن تكون ابتداء: واجبة كصفات الكمال للباري، عز وجل، أو جائزة على أقل تقدير، فيتوقف فيها حتى يرد الدليل المرجح لصحتها أو بطلانها، وذلك لا يتلقى إلا من طريق النبوات، إذا كان محل النزاع مسألة خبرية لا تدرك إلا بنقل صحيح، فأقل الأحوال: الإمكان العقلي، أماأن يكون الأمر محالا شرعا وعقلا ويكلف به الإنسان فذلك مما لم تأت به النبوات فإن العقل الصريح لا يعارض النقل السمعي الصحيح، وإن توهمه من توهمه لنقص في العلم أو سوء طوية.
يقول ابن تيمية رحمه الله:
¥