وكذلك دخل في الذين لا يؤمنون بالله والا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق جميع أهل الكتاب الذين بلغتهم دعوته ولم يؤمنوا به وكذلك قوله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}.
وإن كان جميعهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات وهذا إذا كان الجنس يتناول المذكورين.
وغيرهم ولكن لم يبق في الجنس إلا المذكورون كما يقول هنا رجل من بني عبد المطلب وإن لم يكن بقي منهم غيره". اهـ
"الجواب الصحيح"، (2/ 39).
فلا يقال إن لمنطوق قوله تعالى: (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب): مفهوما، فيكون منهم الكافر المنصوص عليه والمؤمن المسكوت عنه، بل الكل بعد بعثة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كفار إن لم يصدقوا برسالته الخاتمة.
كما أنه لا يقال إن لمنطوق قوله تعالى: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان) مفهوما فيكون من الأوثان رجس منصوص عليه وطهر غير منصوص عليه لا يجب اجتنابه، بل الكل رجس واجب الاجتناب.
ويقول ابن هشام رحمه الله:
"وفي كتاب المصاحف لابن الأنباري، رحمه الله، أن بعض الزنادقة تمسك بقوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة)، في الطعن على بعض الصحابة، رضي الله عنهم، والحق أن من فيها للتبيين لا التبعيض، أي الذين آمنوا هم هؤلاء، ومثله قوله تعالى: (الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم)، وكلهم محسن ومتق، وقوله تعالى: (وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم)، فالمقول فيهم ذلك كلهم كفار". اهـ
"مغني اللبيب"، (1/ 332).
فليس للآيات السابقة، أيضا، مفهوم مخالفة، ليقال: وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة ومن لم يؤمن منهم ويعمل الصالحات فليس له نصيب في هذا الوعد، إذ كيف يجوز ذلك في حق آحاد المؤمنين الصادقين فضلا عن صفوة البشر بعد الأنبياء والمرسلين، عليهم الصلاة والسلام، الصدر الأول: خير طباق الأمة، رضي الله عنهم، وإنما المقصود وعد الله جنسهم أي: كلهم، لأن جنسية "من" تفيد، كما تقدم، العموم فيندرج تحتها جميع أفرادها.
وأهل البدعة كما عهدناهم: أسخف وأسمج الناس استدلالا، ولهم في قصر العمومات على أفراد بعينهم، وإنزال آيات الوعيد على صفوة الخلق من السابقين الأولين، لهم في ذلك باع طويل، فلا يكاد ينقضي عجب الناظر في تفاسيرهم الباطنية التي لا مستند لها من عقل أو نقل كما أشار ابن تيمية، رحمه الله، إلى طرف من ذلك في: "رسالة أصول التفسير".
وفي موضع آخر من التنزيل: (لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).
فهي نص في أن الكل موعود بالحسنى وإن تفاوتت الدرجات تبعا للسبق والبذل في سبيل الله.
&&&&&
رابعا: التعليل، ومنه قوله تعالى: (مما خطيئاتهم أغرقوا)، أي بسبب خطيئاتهم أغرقوا.
ومنه قول الفرزدق يمدح عليا زين العابدين بن الحسين رحمه الله ورضي عن أبيه:
يغضي حياء ويغضى من مهابته ******* فما يكلم إلا حين يبتسم
أي يغضى بسبب مهابته.
ومنه قولك: هزلت من الجوع، أي بسبب الجوع.
&&&&&
خامسا: البدل، ومن ذلك:
قوله تعالى: (أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة)، أي: بدل الآخرة.
وقوله تعالى: (لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون)، أي: لجعلنا بدلكم ملائكة في الأرض يمشون.
وقوله تعالى: (لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا)، أي: لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم بدل طاعة الله أو بدل رحمة الله شيئا.
ومنه قول أبي نخيلة:
جارية لم تأكل المرققا ******* ولم تذق من البقول الفستقا
أي ولم تذق بدل البقول الفستق، كما أشار إلى ذلك ابن مالك، رحمه الله، أراد أنها بدوية لم تنعم برفاهية العيش في الحضر، وقال غيره: توهم الشاعر أن الفستق من البقول، وعليه تكون "من" عندهم للتبعيض.
وقال آخر يصف عاملي الزكاة بالجور:
أخذوا المخاض من الفصيل غلبة ******* ظلما، ويكتب للأمير أفيلا
¥