تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والثاني: التبعيض، ومنه قوله تعالى: (منهم من كلم الله)، أي كلم الله، عز وجل، بعضهم، وعلامتها إمكان سد "بعض" مسدها كقراءة ابن مسعود رضي الله عنه: (حتى تنفقوا بعض ما تحبون)، وهذا الاستعمال من أشهر استعمالاتها.

ولا يمنع القول به القول بابتداء الغاية، فلو قال قائل: أكلت من الكعكة لصح أن يقال: ابتداء غاية أكله كان من الكعكة وقد تحقق ذلك بأكل جزء منها، فاجتمع في قوله: ابتداء الغاية والتبعيض.

&&&&&

الثالث: بيان الجنس، وكثيرا ما تقع بعد "ما" و "مهما"، وهما بها أولى، لإفراط إبهامهما. اهـ.

والمقصود هنا بيان الجنس، والجنس عام يدخل تحته أنواع متعددة، كجنس الحيوان الذي يدخل تحته أنواع: الإنسان والفرس والشاة ......... إلخ، فناسب إبهامه من جهة عدم تعينه لتعدد الأنواع التي تدخل تحته، ناسب إبهامه: إبهام "ما" و "مهما"، فهما موغلتان في الإبهام كما قرر النحاة.

ومن ذلك:

قوله تعالى: (ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها)، أي ما يفتح الله للناس من جنس الرحمة، فسبقت بـ "ما"، المبهمة، فآل المعنى إلى: ما يفتح الله للناس من أي رحمة فلا ممسك لها، والله أعلم.

وقوله تعالى: (ما ننسخ من آية)، أي من جنس الآيات الشرعية لا آية بعينها.

وقوله تعالى: (مهما تأتنا به من آية)، أي من جنس المعجزات لا معجزة بذاتها.

ومن وقوعهما بعد غير "ما" و "مهما":

قوله تعالى: (يحلون فيها أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق)، أي يحلون فيها أساور من جنس الذهب، ويلبسون ثيابا خضرا قماشها من جنس السندس والإستبرق.

وقوله تعالى: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان)، أي: فاجتنبوا جنس الأوثان كله، لا الأوثان التي تتصف بالرجس دون التي لا تتصف به، فكلها موصوفة بالرجس.

وقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في جليبيب رضي الله عنه:

"قَتَلَ سَبْعَةً ثُمَّ قَتَلُوهُ هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ"

أي: هو من جنسي، والجنسية هنا: جنسية إيمان وولاء، لا جنسية ذكورة أو مصر أو قبيلة ......... إلخ فهي الوصف الذي تعقد له ألوية الولاء والبراء في قلوب الموحدين.

وقد تجتمع المعاني الثلاثة السابقة في سياق واحد، كما لو قيل لك: ماذا أكلت؟، فأشرت إلى طعام قائلا: أكلت من هذا، فإن ابتداء غاية أكلك كان من جنس هذا الطعام وقد أكلت بعضه، فاجتمعت المعاني الثلاثة في إجابتك.

يقول ابن تيمية رحمه الله:

"وأما قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}. فهو أمر بالقول لجميع الكافرين من المشركين وأهل الكتاب فإن أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بما أنزل إليه من ربه كافرون قد شهد عليهم بالكفر وأمرهم بجهادهم وكفر من لم يجعلهم كافرين ويوجب جهادهم قال تعالى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ}.

وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}.

وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} وقال تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}.

وحرف من في هذه المواضع لبيان الجنس فتبين جنس المتقدم وإن كان ما قبلها يدخل في جميع الجنس الذي بعدها بخلاف ما إذا كان للتبعيض كقوله: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ}. فإنه يدخل في الذين كفروا بعد مبعث النبي جميع المشركين وأهل الكتاب.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير