تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهو حادث واجه به القرآن المشركين في حينه؛ ولم يرو عنهم تكذيب لوقوعه؛ فلا بد أن يكون قد وقع فعلاً بصورة يتعذر معها التكذيب، ولو على سبيل المراء الذي كانوا يمارونه في الآيات، لو وجدوا منفذاً للتكذيب. وكل ما روي عنهم أنهم قالوا: سحرنا! ولكنهم هم أنفسهم اختبروا الأمر، فعرفوا أنه ليس بسحر؛ فلئن كان قد سحرهم فإنه لا يسحر المسافرين خارج مكة الذين رأوا الحادث وشهدوا به حين سئلوا عنه.

بقيت لنا كلمة في الرواية التي تقول: إن المشركين سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - آية. فانشق القمر. فإن هذه الرواية تصطدم مع مفهوم نص قرآني مدلوله أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يرسل بخوارق من نوع الخوارق التي جاءت مع الرسل قبله، لسبب معين" {وما منعنآ أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون}

فمفهوم هذه الآية أن حكمة الله اقتضت منع الآيات - أي الخوارق - لما كان من تكذيب الأولين بها.

وفي كل مناسبة طلب المشركون آية من الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان الرد يفيد أن هذا الأمر خارج عن حدود وظيفته، وأنه ليس إلا بشراً رسولاً. وكان يردهم إلى القرآن يتحداهم به بوصفه معجزة هذا الدين الوحيدة:

{قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً. ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل، فأبى أكثر الناس إلا كفوراً. وقالوا: لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيراً. أو تسقط السمآء - كما زعمت - علينا كسفاً، أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً. أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء، ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه. قل: سبحان ربي! هل كنت إلا بشراً رسولاً؟}

فالقول بأن انشقاق القمر كان استجابة لطلب المشركين آية - أي خارقة - يبدو بعيداً عن مفهوم النصوص القرآنية؛ وعن اتجاه هذه الرسالة الأخيرة إلى مخاطبة القلب البشري بالقرآن وحده، وما فيه من إعجاز ظاهر؛ ثم توجيه هذا القلب - عن طريق القرآن - إلى آيات الله القائمة في الأنفس والآفاق، وفي أحداث التاريخ سواء .. فأما ما وقع فعلاً للرسول - صلى الله عليه وسلم - من خوارق شهدت بها روايات صحيحة فكان إكراماً من الله لعبده، لا دليلاً لإثبات رسالته ..

ومن ثم نثبت الحادث - حادث انشقاق القمر - بالنص القرآني وبالروايات المتواترة التي تحدد مكان الحادث وزمانه وهيئته. ونتوقف في تعليله الذي ذكرته بعض الروايات. ونكتفي بإشارة القرآن إليه مع الإشارة إلى اقتراب الساعة. باعتبار هذه الإشارة لمسة للقلب البشري ليستيقظ ويستجيب ..

وانشقاق القمر إذن كان آية كونية يوجه القرآن القلوب والأنظار إليها، كما يوجهها دائماً إلى الآيات الكونية الأخرى؛ ويعجب من أمرهم وموقفهم إزاءها، كما يعجب من مواقفهم تجاه آيات الله الكونية الأخرى.

إن الخوارق الحسية قد تدهش القلب البشري في طفولته، قبل أن يتهيأ لإدراك الآيات الكونية القائمة الدائمة، والتأثر بإيقاعها الثابت الهادئ. وكل الخوارق التي ظهرت على أيدي الرسل - صلوات الله عليهم - قبل أن تبلغ البشرية الرشد والنضوج يوجد في الكون ما هو أكبر منها وأضخم، وإن كان لا يستثير الحس البدائي كما تستثيره تلك الخوارق!

ولنفرض أن انشقاق القمر جاء آية خارقة .. فإن القمر في ذاته آية أكبر! هذا الكوكب بحجمه، ووضعه، وشكله، وطبيعته، ومنازله، ودورته، وآثاره في حياة الأرض، وقيامه هكذا في الفضاء بغير عمد. هذه هي الآية الكبرى القائمة الدائمة حيال الأبصار وحيال القلوب، توقع إيقاعها وتلقي ظلالها، وتقوم أمام الحس شاهداً على القدرة المبدعة التي يصعب إنكارها إلا عناداً أو مراء!

ـ[الحسن الهاشمي المختار]ــــــــ[18 - 02 - 2009, 10:05 ص]ـ

أخي الفاضل باتل

أختلف معك في كون ترتيب السور من اجتهاد الصحابة بل هو توقيفي عن النبي صلى الله عليه وسلم، كان من الصحابة من رتبوا المصحف ترتيب النزول، فجمع عثمان رضي الله عنه المصاحف واعتمد فقط على النسخة التي رتبت بتوقيف من النبي عليه الصلاة والسلام,

إن مفتاح علم كيفية انشقاق القمر هو قوله تعالى: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ.

شهادة الله هذه التي كررها أربع مرات نفهم منها أن هناك شهادة أخرى كاذبة إلى جانب شهادة الحق، فأنت لا تقول لصاحبك إذا نصحته: تذكر أني وضحت لك الأمر ويسرت لك سبل المعرفة إلا إذا بدا لك أن الشخص الذي تخاطبه قد يخالف نصيحتك ويعمل بنصيحة أخرى مخالفة لنصيحتك.

أما إذا لم يوجد هذا الاحتمال فإنك تلقي إليه الكلام بشكل عادي:

لاتسلك هذا الطريق فإنه طريق محفوف بالمخاطر.

كذلك لا يقول الله (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ.)

إلا إذا وجدت شهادة كاذبة مناقضة لشهادة الحق، لو لم يكن لهذه الشهادة الكاذبة وجود لما كان لزاما للتذكير بتيسير القرآن.

كيف يثبت الله التيسير ثم ننفيه نحن فندعي أن انشقاق القمر لا علاقة له بهوي النجم الثاقب!!

لو لم يكن له علاقة لما رتب الانشقاق على نجم ثاقب هوى.

لو كان هذا الترتيب لا يفيد التيسير فهو في هذه الحالة تعسير.

أتفق معك أن انشقاق القمر أو عدم انشقاقه هي مسألة تتعلق بالفهم، فالمخطئ ليس مذنبا، وأن الآية (وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا .. ) ذكرت بمناسبة ذكر المشركين إلا أنها حالة عامة تعبر عن طباع الناس. والله تعالى ليس معه شريك في شهادته على انشقاق القمر، فإما أن نقبل شهادة الله وحدها ونكتفي بها أو نأخذ بأقوال بشر لم يشهدهم الله كيفية انشقاق القمر.

الشهادة تقتضي أن يقسم الشاهد بالله إنه لمن الصادقين، لم نجد في الروايات قسم بالله على صدقهم.

لو أشهدهم الله كيفية انشقاق القمر لجاءت شهادتهم مطابقة لشهادة الله.

ودمت بخير وعافية.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير