تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ)، ولم يكن ذلك لسمع عائشة، رضي الله عنها مع كونها في نفس الحجرة، وحقيقة سمعه، عز وجل، تباين حقيقة سمع زيد أو عمرو، فلا يدرك كنهها إلا المتصف بها، جل وعلا، فلا يحيط بشيء من علم الباري، عز وجل، خلق، إذ لا تدرك البصائر منه شيئا إلا ما شاء، مصداق قوله تعالى: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ)، ولا تدرك الأبصار منه إلا ما شاء لأهل دار المقامة فضلا منه ومنة، فليست رؤية أهل الجنان له: رؤية إحاطة، إذ كيف يحيط المخلوق بالخالق؟!!، بل هي رؤية تنعم.

فالضابط يدور على ثلاثة أمور:

أصل المعنى فذاك مما يصح النظر فيه، وكماله وحقيقته، فذانك مما لا قدرة لبشر عليه. وذلك، كما تقدم، أصل مطرد في كل الصفات الإلهية ذاتية كانت أو فعلية، معنوية كانت أو خبرية.

وفي مسألة الكلام تحديدا: وقع الخلاف فرعا على مقالة المجاز في باب الإلهيات الغيبيات، فنسبته إلى الله، عز وجل، نسبة مجازية، إذ هو مخلوق منفصل عنه، كما قال أصحاب مقالة خلق القرآن، إذ نسبته إلى الباري، عز وجل، عندهم، نسبة مخلوق إلى خالقه تشريفا، لا نسبة صفة إلى متصف بها تحقيقا كما هو قول أهل السنة.

وفي باب القدر: قال الجبرية: فاعل المفعولات واحد، وهو الله، عز وجل، فنسبته إلى البشر: نسبة مجازية، فليس الفعل فعل فلان على الحقيقة، وإنما قام به الفعل قيام الموت بالمكلف، فلا إرادة له فيه، فجعلوا: صلى وصام الاختياريين بمنزلة: مرض ومات!!!، وذلك في مقابل غلو نفاة القدر الذين ردوا الأمر كله للمكلف، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم، فالحق وسط بينهما، إذ للعبد إرادة مؤثرة في إيقاع الفعل ولكنها لا تخرج عن إرادة الباري، عز وجل، الكونية، وإن خرجت عن أمره الشرعي حال المعصية، فلا يقع شيء في هذا الكون من الخير أو الشر دون إرادته، جل وعلا، الكونية النافذة، فبكلماته التكوينيات تكون الكائنات، وبكلماته الشرعيات تكون التكليفات.

الشاهد مما تقدم: بيان ما حصل بالتوسع في مقالة المجاز من فساد في الإلهيات، إذ المجاز، إن قيل بجوازه بابه: الأدبيات، إذ لا بد له من قرائن عقلية، والقرائن العقلية في باب السمعيات الغيبية تعد على مقام النبوة، إذ لا يدرك الغيب إلا من خبرها، فلا استقلال للعقل بإدراكه، إذ هو معزول عن منصب البيان فيما لا تدركه قواه من الغيبيات النسبية في عالم الشهادة، فكيف بالغيبات المطلقة كالصفات الإلهية وأخبار دار الجزاء الأخروية.

وقد غلا أقوام كالمعتزلة في هذا الباب حتى أولوا نصوصا غيبية من قبيل الحوض والميزان والصراط .......... إلخ بحجة أنها مجازات لأمور معنوية فليست مدركة بالحس كما دلت على ذلك ظواهر النصوص.

بل زاد آخرون على ذلك تأويل الأحكام العملية، فأولوا الصلاة والصيام والحج ....... إلخ بمعان باطنية بدعوى المجاز كما هو حال غلاة الباطنية. مع أن المجاز، إن قيل بجوازه في لسان العرب، إنما يكون في باب الخبر لا الإنشاء.

&&&&&

وبداية أشار ابن تيمية إلى أن اصطلاح المجاز:

اصطلاح حادث بعد انقضاء القرون الثلاثة لم يتكلم به أحد من الصحابة ولا التابعين لهم بإحسان.

يقول ابن تيمية رحمه الله:

"فهذا التقسيم هو اصطلاح حادث بعد انقضاء القرون الثلاثة لم يتكلم به أحد من الصحابة ولا التابعين لهم باحسان ولا أحد من الأئمة المشهورين فى العلم كمالك والثوري والأوزاعي وأبى حنيفة والشافعي بل ولا تكلم به أئمة اللغة والنحو كالخليل وسيبويه وأبي عمرو بن العلاء ونحوهم".

"الإيمان"، ص59.

فأهل اللسان ممن يحتج بقولهم وأهل العربية ممن يحتج بنقلهم لم يؤثر عنهم هذا التقسيم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير