تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وكذلك المثال المشهور وهو قوله تعالى: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا)، إذ يقول مثبتو المجاز، بأن في الكلام: مجازا بالحذف، فتقدير الكلام: واسأل أهل القرية، ومن ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.

والجواب من ثلاثة أوجه:

الأول: أن حذف المضاف وإقامة المضاف إليه، مما استعمله العرب في لغتهم، فصار باستعماله حقيقة في كلامهم، وإليه أشار ابن مالك، رحمه الله، في ألفيته بقوله:

وما يلي المضاف يأتي خلفا ******* عنه في الإعراب إذا ما حذفا

والثاني: أن المعنى المتبادر لذهن السامع هو: سؤال أهل القرية، لأن السياق يدل على ذلك، والقرينة العقلية تؤكد أن المراد: أهل القرية لا جدرها ومبانيها، فلا نحتاج إلى أي وسائط عقلية معقدة لمعرفة هذا المعنى، لأن البيوت والجدران لا تسأل بداهة.

والثالث: أن لفظ القرية والمدينة وأمثال هذه الألفاظ التي فيها الحال والمحل كلاهما داخل في الاسم، ثم قد يعود الحكم على الحال تارة وهو: السكان، وعلى المحل وهو: المكان تارة أخرى، والسياق هو الذي يحدد، وطالما رجع فهم المعنى المراد إلى الدلالة السياقية فلا مجاز، لأن السياق أصل في معرفة مراد المتكلم، كما سبقت الإشارة إلى ذلك.

ففي قوله تعالى: (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ)، المراد هو الحال، وهم: سكان القرية، بقرينة: (أَوْ هُمْ قَائِلُونَ)، والبيوت والجدران لا تقيل، و: (فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ)، والبيوت والجدران لا تدعو، وإن كانت تسبح تسبيحا لا نفقهه، فعلم المعنى المراد دون الحاجة إلى القول بالمجاز.

وفي قوله تعالى: (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا)، المراد هو المحل، بقرينة: (خاوية على عروشها)، وهذا الوصف لا يطلق على ساكني القرى وإنما يطلق على القرى نفسها، فلا مجاز هنا، أيضا، لأن السياق هو الذي حدد المعنى المراد.

يقول ابن تيمية رحمه الله:

"وَمِنْ الْأَمْثِلَةِ الْمَشْهُورَةِ لِمَنْ يُثْبِتُ الْمَجَازَ فِي الْقُرْآنِ: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ}. قَالُوا الْمُرَادُ بِهِ أَهْلُهَا فَحُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ فَقِيلَ لَهُمْ: لَفْظُ الْقَرْيَةِ وَالْمَدِينَةِ وَالنَّهْرِ وَالْمِيزَابِ؛ وَأَمْثَالُ هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي فِيهَا الْحَالُّ وَالْمَحَالُّ كِلَاهُمَا دَاخِلٌ فِي الِاسْمِ. ثُمَّ قَدْ يَعُودُ الْحُكْمُ عَلَى الْحَالِّ وَهُوَ السُّكَّانُ وَتَارَةً عَلَى الْمَحَلِّ وَهُوَ الْمَكَانُ وَكَذَلِكَ فِي النَّهْرِ يُقَالُ: حَفَرْت النَّهْرَ وَهُوَ الْمَحَلُّ. وَجَرَى النَّهْرُ وَهُوَ الْمَاءُ وَوَضَعْت الْمِيزَابَ وَهُوَ الْمَحَلُّ وَجَرَى الْمِيزَابُ وَهُوَ الْمَاءُ وَكَذَلِكَ الْقَرْيَةُ قَالَ تَعَالَى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً}. وَقَوْلُهُ: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ} {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إلَّا أَنْ قَالُوا إنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}. وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ}. فَجَعَلَ الْقُرَى هُمْ السُّكَّانُ. وَقَالَ: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ}. وَهُمْ السُّكَّانُ. وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا}. وَقَالَ تَعَالَى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا}. فَهَذَا الْمَكَانُ لَا السُّكَّانُ لَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يُلْحَظَ أَنَّهُ كَانَ مَسْكُونًا؛ فَلَا يُسَمَّى قَرْيَةً إلَّا إذَا كَانَ قَدْ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير