تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 02 - 2009, 05:40 م]ـ

وقد بدأ الشيخ الشنقيطي، رحمه الله، رسالة "منع جواز المجاز"، التي صنفها في هذه المسألة، بذكر الخلاف في أصل وقوع المجاز، فقال:

"اعلم أولا أن المجاز اختلف في أصل وقوعه، قال أبو إسحاق الإسفرائيني وأبو علي الفارسي: إنه لا مجاز في اللغة أصلا، كما عزاه لهما ابن السبكي في: "جمع الجوامع"، وإن نقل عن الفارسي تلميذه أبو الفتح (وهو ابن جني، إمام العربية، صاحب التصانيف): أن المجاز غالب على اللغات كما ذكره عنه صاحب الضياء اللامع". اهـ

حتى توسع بعض أهل العلم في صور صريحة في كونها حقائق لا تقبل المجاز من قبيل: ضرب زيد عمرا، فجعلوه مجازا علاقته الجزئية، إذ ضرب زيد ببعضه وهو يده بعض عمرو وهو العضو الذي وقع عليه الضرب، وفي ذلك من التكلف ما لا يخفى!!!.

وتبرز أهمية هذا العزو، إذا رجعنا، إلى كلام ابن القيم، رحمه الله، في: "الصواعق المرسلة"، حيث وسم أبا علي الفارسي، المتوفى سنة 377 هـ، وتلميذه ابن جني، المتوفى سنة 392 هـ، بالاعتزال (وهو الغالب على أئمة اللغة المتأخرين، خلاف المتقدمين كالخليل بن أحمد وسيبويه وغيرهما)، ورغم ذلك، نفى أبو علي، المجاز، رغم حاجته إليه في تقرير تأويلات المعتزلة في أبواب الإلهيات، فالقول بالمجاز، هو مستند من نفى الصفات الإلهية تحت ستار التأويل، بل ونقل عنه ذلك السبكي، رحمه الله، وهو على طريقة المتكلمين المتأخرين في الأصول، فلم يسلم من التأويل، أيضا، فحاجته إلى إثبات المجاز كحاجتهما إجمالا وإن كانت تأويلات المتكلمين أقل من تأويلات أهل الاعتزال، وحكايته ما ينقض مقالته مئنة من تحقيقه، بغض النظر عن بطلان التأويل الذي سلكه في باب الصفات الإلهية.

ثم ذكر الشيخ، رحمه الله، قاعدة نفيسة، سوف يعود إليها في نهاية الرسالة، في تخريج الآيات التي احتج بها المجوزون لوقوع المجاز في القرآن، هي أن: "كل ما يسميه القائلون بالمجاز مجازا فهو عند من يقول بنفي المجاز أسلوب من أساليب اللغة العربية".

وتطرق إلى مسألة الإطلاق والتقييد، فاللفظ قد يحتاج إلى قيد من السياق الذي ورد فيه إذا لم يظهر المعنى إلا به، وقد لا يحتاج، كقولك: رأيت أسدا يفترس غزالا، فإن الأسد في هذا السياق: حقيقة في الحيوان المفترس، فلا يحتاج إلى قيد من السياق، إذ المعنى قد ظهر ابتداء، فلا يلزم ذكر أوصاف الحيوان المفترس، فيقال على سبيل المثال: رأيت أسدا يمشي على أربع، أو ذا لبد .......... إلخ، بخلاف ما لو أردت المقاتل الشجاع، فإن اللفظ في هذه الحال يفتقر إلى قيد من السياق الذي ورد فيه، فيلزم ذكر وصف يختص بالمقاتل تمييزا له عن الحيوان المفترس، فيقال على سبيل المثال: رأيت أسدا يرمي في الميدان، فقرينة التقييد بوصف: "يرمي في الميدان": صيرت الأسد في هذا السياق: حقيقة، أيضا، ولكن في المقاتل الشجاع لا الحيوان المفترس، ولا يسمى ذلك تأويلا، ولا يلزم منه إثبات وقوع المجاز، إذ لم يحتج المخاطب في كلا القولين إلى إعمال علائق وقرائن المجاز العقلية، فقد ظهر المراد ابتداء بالإطلاق والتقييد، وكلاهما قرينة لفظية من ذات السياق، فلم يحتج المخاطب كما تقدم إلى قرائن خارجية تعين مراد المتكلم.

يقول الشيخ رحمه الله:

"فمن أساليبها، (أي: لغة العرب)، إطلاق الأسد مثلا على الحيوان المفترس المعروف، وأنه ينصرف إليه عند الإطلاق، وعدم التقيد بما يدل على أن المراد غيره.

ومن أساليبها إطلاقه على الرجل الشجاع إذا اقترن بما يدل على ذلك. ولا مانع من كون أحد الإطلاقين لا يحتاج إلى قيد والثاني يحتاج إليه، لأن بعض الأساليب يتضح فيها المقصود فلا يحتاج إلى قيد وبعضها لا يتعين المراد فيه إلا بقيد يدل عليه، وكل منهما حقيقة في محله. وقس على هذا جميع أنواع المجازات.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير