تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويأتي بأركانها وواجباتها وسننها كاملة كحال من يباشر معصية، بل مباحا، بل طاعة من نفس الجنس، فتجد الصلاة واحدة وبين المعاني التي تقوم بقلوب المصلين من التفاوت ما بين السماء والأرض كما قرر أهل العلم ذلك.

وقل مثل ذلك فيما عطف على الصلة: فله حكمها، فالإيمان الذي دلت عليه الصفة المشبهة في صدر الآيات: "المؤمنون" قد علق أيضا على وصف الإنفاق، الذي جاء بصيغة المضارع، "ينفقون"، وتقديم ما حقه التأخير: "مما رزقناهم": مئنة من الحصر توكيدا على أنهم مستخلفون فيما بين أيديهم فليس الرزق منهم، وإنما جاء الفعل منسوبا إلى الرازق تعظيما: "رزقناهم"، فهو الذي رزق تفضلا، وأمر بإخراج البعض الذي دلت عليه: "من" تخفيفا عن النفوس التي جبلت على الشح، ولو أمر بإنفاق الكل ما ظلم العباد، إذ الرزق رزقه، والملك ملكه، ومن حكم في ملكه فما ظلم، فكيف والحاكم: أحكم الحاكمين، وأعلم العالمين، فليست أحكامه جبرا بقدرة قاهرة بلا حكمة بالغة، بل أفعاله، عز وجل، صادرة من علم وحكمة سابقة، إذ علم فكتب المقادير في اللوح المحفوظ بحكمة قد تخفى ابتداء، وتظهر للبعض أحيانا، ثم شاء فخلق بقدرة نافذة فلا راد لحكمه الكوني ولا معقب لقضائه النافذ في عباده، وتلك مراتب الإيمان بقدره الجامع بين الحكمة والقدرة.

أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ:

إشارة إليهم بالبعيد تشريفا، وفي السياق حصر بتعريف الجزأين: "أولئك" و: "المؤمنون"، والتوكيد بالمصدر المحذوف الذي دل عليه وصفه: "حقا" فتقدير الكلام: أولئك هم المؤمنون إيمانا حقا، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، فضلا عن ضمير الفصل: "هم".

لهم درجات: إطناب في مقام الوعد حضا على امتثال الأمر، وقدم ما حقه التأخير حصرا وتوكيدا، كما تقدم مرارا، ونكر الدرجات مئنة من عظمها، وخصها بوصف: "عند ربها" وذلك مئنة أخرى من عظمها فإن عظمة المُعطَى من عظمة المعطي.

وعطف: "المغفرة" منكرة على ما اطرد من الإطناب في مقام الوعد والتعظيم بالتنكير.

وعطف: "الرزق الكريم": لذات السبب، وخصه بالكرم مئنة من رفعته على بقية أجناس الرزق فالكريم من الشيء ما بلغ في الوصف أعلاه.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[26 - 02 - 2009, 09:07 ص]ـ

ومنها:

حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب الخلق، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم)

فقد أكد الخبر بـ: "إن"، واسمية الجملة، واللام المزحلقة التي دخلت على المضارع الواقع في خبر الناسخ المؤكد، فضلا عن الفاعل المستتر فيه، فيكون الفاعل قد كرر مرتين توكيدا: معنويا ظاهرا وهو: اسم إن، ولفظيا مستترا في جملة الخبر.

والإتيان بالخبر بصيغة المضارع مئنة من تجدده، وذلك أمر يجده كل مكلف من نفسه، فالصراع بين قوى الخير والشر في نفسه مستمر لا انقطاع له إلا بخروج الروح وزوال التكليف، فينتصر الخير أحيانا، فيتجدد الإيمان، وينتصر الشر أحايين فيبلى الإيمان في القلب.

كما يخلق الثوب الخلق: تشبيه مرسل ذكرت فيه أركان التشبيه الثلاثة، وقد يقال بأن فيه نوع تمثيل إذ شبه الإيمان حال فتوره بصورة منتزعة من ثوب خلق، وتلك صورة مركبة فلم يقع التشبيه على الثوب مطلقا وإنما قيد بصورة بعينها هي صور البلى، فصارت صورة المشبه به مركبة.

فاسألوا الله: الفاء للسببية، إذ ما قبلها سبب في أن يلجأ العبد إلى ربه ليقيمه على الجادة فلا تفتر همته ولا تسأم نفسه.

وفي: "يجدد": استعارة التجدد المحسوس في الثياب البالية إذا أصلحت للتجدد المعنوي للإيمان إذا نقص فاحتاج الزيادة.

وفي قوله: "فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم": إظهار في موضع الإضمار، إذ يصح في غير هذا السياق أن يقال: فاسألوا الله أن يجدده، فأظهره عناية بشأنه، وأي شأن أعظم من شأن الإيمان؟!!!.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[27 - 02 - 2009, 02:20 م]ـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير