فإن قيل: في القرآن كلام موزون كوزن الشعر وإن كان غير مقفّى، بل هو مزاوج متساوي الضروب، وذلك آخر أقسام كلام العرب.
قيل: من سبيل الموزون من الكلام أن تتساوى أجزاؤه في الطول والقصر والسواكن والحركات، فإن خرج عن ذلك لم يكن موزوناً كقوله:
رب أخٍ كنتُ به مغتبطاً
أشدُّ كفّي بِعُرى صحبته
تمسكاً مني بالودّ ولا
أحسبُهُ يزهدُ في ذي أملِ
تمسكاً مني بالودّ ولا
أحسَبُهُ يُغَيِّرُ العهدَ ولا
يحُول عنه أبدا
فخابَ فيه أَمَلي
وقال أيضاً: القرآن ليس من قبيل الشعر ولا توافرت فيه شروطه
وأما ما في القرآن من السجع فهو كثير، لا يصح أن يتفق كله غير مقصود إليه، ويبنون الأمر في ذلك على تحديد معنى السجع.
تعريف السجع
قال أهل اللغة: هو موالاة الكلام على وزن واحد، قال ابن دريد: سجعت الحمامة معناها رددت صوتها.
قيل القرآن مختلط من أوزان كلام العرب
فإن قال قائل: القرآن مختلط من أوزان كلام العرب، ففيه من جنس خطبهم، ورسائلهم، وسجعهم، وموزون كلامهم الذي هو غير مقفى، ولكنه أبدع فيه ضرباً من الابداع لبراعته وفصاحته.
نفذ لامية البحتري
ونحن نعمد إلى بعض قصائد البحتري، فنتكلم عليها، كما تكلمنا على قصيدة امرئ القيس، ليزداد الناظر في كتابنا بصيرة، ويستخلص من سر المعرفة سريرة، ويعلم كيف تكون الموازنة، وكيف تقع المشابهة والمقاربة، ونجعل تلك القصيدة التي نذكرها أجود شعره.
أجود قصيدة للبحتري: سمعت الصاحب إسماعيل بن عباد يقول: سمعت أبا الفضل ابن العميد يقول: سمعت أبا مسلم الرستمي يقول: سمعت البحتري يذكر أن أجود شعر قاله:
أهلاً بذلكم الخيال المقبل ............. الخ
ألخلاصه ألخلاصه لما تقدم
إن كتاب الباقلاني كتاب بلاغي من حيث أخذه لجانب الإعجاز والبحث في الأدلة والرد على المخالفين.
وكتاب نقدي من حيث المقارنة والموازنة التي أجراها بين ألفاظ الشعر والخطابات وألفاظ القران الكريم.
ومن حيث الأسلوب القراني وأساليبه وبين كلام العرب.
حيث تكلم على الفصاحة في الشعر وجودته وفي نفس الأمر قام بمفاضلة ما بين الأبيات الشعرية لهذا نقد لامية البحتري وهي أجود قصائده كما استشهد بقوله ..
وكذلك نقده لأسلوب الجاحظ وطريقته ..
إذاً هو ناقد للشعر والخطب والمؤلفات لينتهي إلى القول بان القران الكريم معجزه في كل شيء خلاف ما في شعر الشعراء
جعل إثبات أن القرآن هوالنموذج الأعلى الذي قهر البلغاء وطأطأ رؤوس الفصحاء وأنه المثال الذي لابد أن يحتذى في التعبير ومن هنا كان الكتاب وغيره كتابا نقديا إذ إن أسلوب القرآن هوالميزان النقدي للأساليب بعامة
فجعل من القران الكريم معيار يزن به كلام الغير بعدما اثبت لهم انه معجزه في كل شيء ولا يعتريه ما يعتري الشعر من جنس النقائص والاختلاف مطلقا
وقال الباقلاني: تبين بخروجه عن أصناف كلامهم وأساليب خطابهم أنه خارج عن العادة، وأنه معجز، وهذا خصوصية ترجع إلى جملة القرآن، وتميز حاصل في جميعه
والحمد لله رب العالمين
طُرحَ هذه الموضوع قديما