تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من قوله تعالى: (وهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ ..... )

ـ[مهاجر]ــــــــ[02 - 04 - 2010, 08:47 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا):

فذلك من الإطناب بتكرار الضمير: "هو" على جهة التوكيد ولطول الفصل بالآية السابقة: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا)، فحسن التكرار من هذا الوجه، وجاء التعريف بالموصول على ما اطرد من تعليق الحكم بالوصف الذي اشتقت منه جملة الصلة، وإرساله الكوني للرياح، من وصف فعله الذي يتعلق بمشيئته، فمتى شاء أرسل الرياح رحمة، ومتى شاء أرسل الريح عذابا، فمادة الإرسال تنقسم إلى:

الإرسال الشرعي: وأبرز صوره إرسال الرسول الملكي إلى الرسول البشري بكلمات الوحي الشرعية، وذلك لا يكون إلا رحمة بداهة فـ: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ). فيرسل الرب، جل وعلا، الرسول الملكي إلى الرسول البشري، والرسول البشري إلى الجماعة الإنسانية برحمة النبوة، فهو الذي يرسل الوحي بشرا بين يدي رحمته من الهداية الشرعية التي يصلح بها أمر الدين والدنيا.

والإرسال الكوني: وهو إما أن يكون بالرحمات، كما في هذه الآية، والرحمة هنا هي المطر، فهي قسيمة الرحمة الشرعية: رحمة النبوات، إذ بالنبوات تحيى الرواح، وبالماء تحيى الأبدان، فالماء سبب الحياة الرئيس كما قد جاء في التنزيل: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ).

وإما أن يكون بالعذاب فذلك النوع الثاني من الإرسال الكوني، فهو من قبيل: (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ).

فالإرسال الشرعي ليس إلا نوعا واحدا، وليس له إلا وصف واحد هو وصف الخير والرحمة، فهو رحمة للموافق والمخالف، فمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو خاتم رحمات النبوة، كان رحمة للموافق الذي نعم بأمان: (وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، ورحمة للمخالف الذي نعم بأمان: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ)، فلم يعذب من جاوره ببدنه، فلما تحول عنهم إلى يثرب أنزل بهم إله الحق العذاب يوم بدر، ويوم الأحزاب، وأظهر عليهم نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم الفتح بل لم يعذب من جاور أتباعه، فمتى بقي ذكره في الأرض، بوصفه المبلغ عن الرب، جل وعلا، فبقاء ذكره بقاء لذكر مرسِله، جل وعلا، إذ ذكره به مقرون، فتلك شهادة الحق بتوحيد المرسِل، جل وعلا، وتوحيد الاتباع لمن أرسله بالشريعة الخاتمة، فهذان شرطا كل عمل صالح: فإخلاص بتوحيد المرسِل، جل وعلا، فلا شرك في الملة، ومتابعة بتوحيد الاتباع باقتفاء أثر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا إحداث ولا ابتداع في النحلة، فبقاء ذكر الرب، جل وعلا، مادة صلاح هذا الكون، ولا يكون ذلك إلا ببقاء آثار النبوة، ولا أثر لنبوة صحيحة من لدن بعث صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها إلا النبوة الخاتمة، فبقاء ذكرها، عند التدبر والنظر، مادة صلاح هذا الكون، وهذا أمر يصدقه الحس، فلا تظهر أعلام النبوة في عصر أو مصر إلا كان الخير والبركة، فـ: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)، ولا تخفى أعلامها فتندرس أو تكاد، كما هو الحال في كثير من الأمصار في زماننا، إلا عم الفساد والشر، وإن كان لأهلها حظ وافر من عرض الدنيا الزائل، فإنه على رسم: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ)، والمجتمعات المترفة في زماننا لا سيما التي ليس لها من النبوة نصيب، ولو بمجرد النسبة، تلك المجتمعات حبلى بالأزمات الإنسانية والأخلاقية، فليس لها من غذاء الروح،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير