[من أسرار الإعجاز اللغوي والبياني في سورة ألم نشرح]
ـ[30131]ــــــــ[18 - 03 - 2010, 11:26 م]ـ
[من أسرار الإعجاز اللغوي والبياني في سورة ألم نشرح]
قال الله تبارك وتعالى:? أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ? (الشرح: 1 - 8)
أولاً- نزلت هذه السورة الكريمة بعد سورة الضحى؛ وكأنها تكملة لها، فيها ظل العطف الندي، وفيها روح المناجاة للحبيب، وفيها استحضار مظاهر العناية، واستعراض مواقع الرعاية، وفيها البشرى باليسر والفرج، وفيها التوجيه إلى سرِّ اليُسْر وحبل الاتصال الوثيق.
وهي توحي بأن هناك ضائقة كانت في روح الرسول صلى الله عليه وسلم لأمر من أمور هذه الدعوة التي كلفها، ومن العقبات الوعرة في طريقها، ومن الكيد والمكر المضروب حولها .. توحي بأن صدره صلى الله عليه وسلم كان مثقلا بهموم هذه الدعوة الثقيلة, وأنه كان يحس العبء فادحًا على كاهله، وأنه كان في حاجة إلى عون ومدد، وزاد ورصيد .. ثم كانت هذه المناجاة الحلوة, وهذا الحديث الودود من المحِبِّ لحبيبه!
ثانيًا-قوله تعالى:? أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ? (1)
خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وقراءة العامة:? أَلَمْ نَشْرَحْ ?، بالسكون. وقرأ أبو جعفر المنصور:? أَلَمْ نَشْرَحَ ?، بفتح الحاء، وخرَّجه ابن عطيَّة وجماعة على أن الأصل: ألم نشرحَنْ، بنون التوكيد الخفيفة، فأبدل من النون ألفا، ثم حذفها تخفيفًا. وقال غير واحد: لعل أبا جعفر بيَّن الحاء، وأشبعها في مخرجها، فظن السامع أنه فتحها.
وفي (البحر المحيط) لأبي حيان:” أن لهذه القراءة تخريجًا أحسن مما ذكِر، وهو أن الفتح على لغة بعض العرب من النصب بـ? لَمْ ?، فقد حكَى اللَّحْيانيُّ في نوادره: أن منهم من ينصب بها، ويجزم بـ? لَنْ ?، عكس المعروف عند الناس. وعلى ذلك قول عائشة بنت الأعجم تمدح المختار بن أبي عبيد:
في كل ما هَمَّ أمضَى رأيَه قدما **ولم يشاورَ في الأمر الذي فعلا
وخرَّجها بعضهم على أن الفتح لمجاورة ما بعدها؛ كالكسر في قراءة:
? الْحَمْدِ للّهِ ? (الفاتحة: 2)
بالجر، وهو لا يتأتى في بيت عائشة السابق“.
ثالثًا- وفي المراد بهذا الشرح- على ما ذكر- أقوال:
أحدهما: أن المراد به شقُّ صدره الشريف عليه الصلاة والسلام، روي أن جبريل عليه السلام أتاه، وشق صدره، وأخرج قلبه وغسله وأنقاه من المعاصي، ثم ملأه علمًا وإيمانًا، ووضعه في صدره. وروي عن ابن عباس- رضي الله عنهما- أنه فسَّره به، وهو ظاهر صنيع التِّرْمِذِيِّ؛ إذ أخرج حديث شقِّ الصدر الشريف في تفسير هذه السورة .. وهذا القول ضعيف عند المحققين.
وثانيها: أن المراد به شرح صدره صلى الله عليه وسلم للإسلام، وهو المرويُّ عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وثالثها: أنه كناية عن الإِنعام عليه بكل ما تطمح إليه نفسه الزكية من الكمالات، وإعلامه برضى الله عنه، وبشارته بما سيحصل للدّين، الذّي جاء به من النصر.
ورابعها: أن المراد به تنوير صدره صلى الله عليه وسلم بالحكمة، وتوسيعه بالمعرفة، لتلقي ما يوحى إليه. قال الله تعالى:
? أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ ? (الزمر: 22)
وروي أنهم قالوا: يا رسول الله أينشرح الصدر؟ قال:”نعم! “قالوا: وما علامة ذلك؟ قال:” التجافي عن الغرور، والإنابة إلى دار الخلود، والإعداد للموت قبل نزوله “.
وتحقيق القول فيه أن صدق الإيمان بالله ووعده ووعيده يوجب للإنسان الزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة، والاستعداد للموت.
وخامسها: منهم من فسر الشرح بانفتاح صدره عليه الصلاة والسلام؛ حتى إنه كان يتسع لجميع المهمات، لا يقلق، ولا يضجر، ولا يتغير؛ بل هو في حالتيْ البؤس والفرح منشرح الصدر، مشتغل بأداء ما كلف به.
والشرح في اللغة التوسعة، ومعناه: الإراحة من الهموم والغموم. والعرب تسمِّي الغمَّ والهمَّ: ضيقَ صدرٍ؛ كقوله تعالى:
? وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ ? (الحجر: 97)
¥