تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[بلاغة أخرى .. دعوة إلى التصنيف]

ـ[فريد البيدق]ــــــــ[15 - 02 - 2010, 11:55 م]ـ

(1)

درسنا البلاغة دراسة تعليمية مدرسية، فوجدناها مبنية على المجاز، ووجدنا الأمثلة تأتي من كلام العرب ومن القرآن والحديث ومن الأدب قديمه وحديثه.

وزادت الجرعة فاطلعنا على الخلاف بين علماء البلاغة حول نسبة بعض الفنون، وهل يدرج هذا الفن تحت هذا العلم أو يدرج تحت ذاك العلم؛ فالمجاز العقلي هناك من يدرجه تحت "البيان"؛ لأنه مجاز، وهناك من يدرجه تحت "المعاني"؛ لأنه في الإسناد. والالتفات هناك من يدرجه في المعاني، وهناك من يدرجه في البديع.

وكذلك الخلاف حول طبيعة الفن المعترف بنسبته؛ فهناك من يعد الكناية في التعبير الحقيقي؛ لأن القرينة غير مانعة من إرادة المعنى الأصلي، وهناك من يراها مجازا.

وكذلك الاستعارة وهل هي من المجاز اللغوي؟ أو المجاز العقلي؟ يقول الشنقيطي في كتابه "منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز" بخصوص ذلك: " ...

إن جماعة من علماء البلاغة أنكروا الاستعارة من أصلها زاعمين أنها مجاز عقلي؛ لأنها لما لم تطلق على المشبه إلا بعد دخوله في جنس المشبه به بجعل الرجل الشجاع مثلاً فردا من أفراد الأسد، كان استعمال الكلمة المسماة بالاستعارة في المشبه استعمالاً لها في ما وضعت له، فلم يكن هناك مجاز لغوي أصلاً، وإنما قالوا بأنه مجاز عقلي، يعنون أن العقل جعل الرجل الشجاع من جنس الأسد، وجعل ما ليس في الواقع واقعًا مجازٌ عقلي.

وجمهور البيانيين يثبتون الاستعارة على أنها مجاز لغوي، وقسيمها المجاز المرسل، ويردون قول من نفاها من أصلها زاعمًا أنها مجاز عقلي، بأن ادعاء دخول المشبه في جنس المشبه به مبنيّ على أنه جعل أفراد الأسد مثلاً بطريق التأويل قسمين:

أحدهما: المتعارف وهو الذي له غاية الجرأة وكمال القوة في مثل تلك الجثة ذات الأنياب والأظفار.

والثاني: غير المتعارف وهو الذي له تلك الجرأة لكن لا في تلك الجثة المخصوصة والهيكل المخصوص، ولفظ الأسد إنما هو موضوع للمتعارف، فاستعماله في غير المتعارف استعمال له في غير ما وُضِعَ له، والقرينة مانعة عن إرادة المعنى المتعارف ليتعين غير المتعارف".

وظل الاطلاع في الاتجاه نفسه، وزادت الأمور الجزئية بزيادة الاطلاع على المسائل البلاغية، وتعددت جزئياتها.

وفي خضم هذه الاختلافات لم أجد من يؤسس للفنون البلاغية، فيوضح لم يكون هذا التعبير فنا قائما منفردا؟ ولم يكون مندرجا تحت فن قائم؟ وما السمات التي تجعله يكتسب الفنية؟

وما ذلك إلا لأن علماء البلاغة استخرجوا الفنون وأدرجوها في الكتب وفق منهج مباشر، فكان العالم يختار مصطلحا للفن، ثم يورد الشواهد. ثم يزداد الأمر بعد ذلك ببيان بلاغة هذا الفن.

لكن كل ذلك بعيد عن تأسيس فنية الفنون، وتوفير منهجية اكتشافها. وأشياء كثيرة لم أجد لها وجود، فاتهمت نفسي وقلت: لعلها أشياء هامشية لا قيمة علمية لها؛ لذلك أهملت.

(2)

في ذلك الحين كانت هناك لمحات عن إنكار المجاز، لكنها لم تستغل مساحة يؤبه لها؛ لأن الاتجاه العام كان هو المؤسس على اعتماد المجاز في اللغة والقرآن، وهو ما وضح سابقا.

وعندما بدأ الاهتمام بالعقيدة بدأ إنكار المجاز يأخذ مساحة يؤبه لها، لكنه أنتج سؤالا كبيرا مفاده: إذا ألغينا المجاز وما ترتب عليه من فنون البلاغة الممتدة خلال علوم البلاغة الثلاثة فما بديل ذلك علميا حسب دائرة الإنكار وهل هي اللغة أو القرآن أو العقائد والغيبيات في القرآن؟

وكيف نعلم البلاغة؟

لقد تحولت بلاغة المجاز بلاغة تعليمية من خلال علماء البلاغة، أما بلاغة إنكار المجاز فكانت بلاغة ردود، وظلت هكذا، واستمرت في علم العقيدة البعيد عن اللغويين والبلاغيين؛ مما جعلها غير قابلة للتحويل إلى العلم المنظم الذي يمكن أن تدرس مسائله كعلم بلاغة له فنونه ومصطلحاته. وكان الرائد في هذه الردود الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم اللذان استعرضا المواضع التي قال فيها القائلون بالمجاز: إنها مواضع مجاز، وردا وأوضحا أنها على سبيل الحقيقة؛ لأن للعرب أساليب شتى في التعبير.

(3)

وهنا أدعو الإخوة والأخوات إلى الاهتمام بهذا النقص، ومحاولة رأبه إثراء لعلم البلاغة، ولن أحدد أي إطار للتحرك ليكون الميدان متاحا ومفتوحا لكل من أراد أن يقول شيئا في المنهج أو المقرر أو المسائل أو .... إلخ.

فهل ... ؟!

ـ[أبو حاتم]ــــــــ[16 - 02 - 2010, 01:49 ص]ـ

لشيخي أ. د/ محمود توفيق رؤية علمية جيدة في النظر إلى تقسيم البلاغة، فهو يرى أن طبيعة التحليل البلاغي تتناول النص من زاويتين وظيفيتين: زاوية التركيب والبناء وأثره في المعنى، وزاوية الدلالة ووضوحها وخفائها.

وتحت هذين المبحثين يمكن إخضاع جميع الأساليب البلاغية للتحليل سواء كانت مباحث علم المعاني أو علم البيان أو علم البديع فلكل أسلوب جانب تركيبي وجانب دلالي فالاستفهام مثلا يمكن دراسته من الجانب التركيبي كدخول همزة الاستفهام على الفعل أو الفاعل وأثر ذلك في المعنى، ويمكن دراسته من الجانب الدلالي في خضوعه للحقيقة أو المجاز ونحو ذلك. وقل مثل هذا في التشبيه فيمكن النظر إليه من جانب تركيبي، وللإمام عبد القاهر عناية بمسائل التركيب في التشبيه والفروق والمزايا في اختلاف بناء جملة التشبيه، وكذلك يمكن النظر إليه من الناحية الدلالية في تجلية المعنى أو خفائه.

و كذلك من هذه الزاوية نستطيع أن نعيد النظر في دراسة أساليب البديع من زاوية التركيب أو الدلالة، وقد نجد بعض الأساليب مناط النظر فيها التركيب أكثر من غيره مثل رد العجز على الصدر، وبعضها الدلالة مثل التورية وهكذا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير