تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من سورة الليل]

ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 04 - 2010, 08:11 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (4) فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10) وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى (11) إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (12) وَإِنَّ لَنَا لَلْآَخِرَةَ وَالْأُولَى (13) فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى):

فقدم الليل إذ هو الأصل، كما في قوله تعالى: (وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ)، ثم ثنى بالنهار، فاستوفى شطري القسمة العقلية الزمانية، وجاء القسم مقيدا بالظرفية، إشارة إلى وجه الإعجاز، فضلا عن استحضار الصورة بورود الفعل مضارعا في حيز الشرط، ونزل المتعدي منزلة اللازم، فحذف المعمول مئنة من العموم، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، ثم جاء النهار على جهة طباق الإيجاب، فاكتمل شطرا الآية الكونية الباهرة، كما تقدم، والطباق من وجه آخر توطئة لبيان اختلاف حال الكافر والمؤمن في آخر السورة، فقدم الليل ثم ثنى بالنهار، وقدم ذكر جزاء الكافر: (فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى * لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى)، ثم ثنى بذكر جزاء المؤمن: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (17) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى)، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فذلك جار مجرى اللف والنشر المرتب، فمقابل الليل في أول السورة: جزاء الكافر في آخرها، ومقابل النهار في أول السورة: جزاء المؤمن في آخرها، فهذا وجه النشر والنشر المرتب، وقد يقال بأن تقديم الليل بظلمته إشارةً إلى حياة الكافر في دار الجحيم، جار مجرى: التخلية قبل التحلية بذكر حياة المؤمن في دار النعيم، فدرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فقدم الوعيد على الوعد، كما قدم الليل على النهار، إذ بالوعيد تنكف النفوس سلبا، فتطهر المحال من آثار الدنس وتصير أهلا للتحلية بمادة الإيمان والطاعة، فبها ينال العبد حظه من الوعد فضلا من الله ونعمة.

وعلى ما اطرد من الطباق المستوفي لأجزاء القسمة العقلية، جاء القسم بخلق الذكر والأنثى، فالزوجية بينهما من جنس الزوجية بين الليل والنهار، والقسم بالمصدر المؤول من: "ما" المصدرية والفعل: "خلق" آكد في تقرير المعنى من القسم بالمصدر الصريح، فزيادة المبنى في المصدر مئنة من زيادة المعنى، و: "أل" في: "الذكر" و: "الأنثى": جنسية لبيان الماهية، فمعنى الاستغراق فيها غير مراد في هذا السياق، وإن كان صحيحا، فالمراد هنا، والله أعلم، الإشارة إلى أجناس الآيات الكونية دون أفرادها، فالإعجاز في خلق فرد من أفراد العموم كاف في بيان كمال القدرة والحكمة الربانية، وإن اختص كل فرد بخلق لا يماثل خلق بقية الأفراد من كل وجه، فالعبرة بعموم الخلق الذي يشترك فيه كل الأفراد دون الخصوص الذي امتاز به بعضهم على بعض، فذلك أمر زائد على الأصل، والإعجاز كائن أصالة في جنس الآية الكلي الذي تندرج تحته جميع أفراده، وإن كان التباين بين الأفراد وجه إعجاز آخر بتنوعها وإن جمعها جنس أعلى مشترك، كما تقدم، فخلق زيد وعمرو من جهة الأصل: متماثل، فالآية الكونية في خلق الإنسان لا تختص بفرد دون آخر، فالنظر فيها إلى جنس الإنسان، فوحدة الخلق واطراد سنن البشر إيجادا للأعيان وإعداد للآلات لقبول أسباب الحياة، وإمدادا بها، على جهة العناية بالنوع الإنساني، كل ذلك مئنة من كون الخالق، تبارك وتعالى، واحدا بذاته، أحدا بصفاته الفاعلة التي تظهر آثارها في الكون المخلوق، فبكلماته الكونية تظهر آثار أفعاله في هذا العالم المشهود إيجادا وإعداما ...... إلخ، فـ: (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)، فالمفعولات الحادثة أثر مشيئته المحدِثة، فيشاء الفعل فيقع لزوما وفق سنن كوني محكم فلو: (كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)، واختصاص كل فرد من أفراد

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير