تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من سورة الواقعة]

ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 03 - 2010, 08:29 ص]ـ

ومن صدر سورة الواقعة:

ومن قوله تعالى: (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ (2) خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ (3) إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا):

فـ: "إذا" قد جمعت بين معنى الظرفية والشرطية معا، فالحوادث التي تليها كائنة إذا وقعت، أي في ظرف وقوعها، وهي في نفس الوقت مشروط قد علق على شرط وقوعها، فيدور معها وجودا وعدما دوران المشروط مع شرطه، فإنها لن تقع بإذن الرب، جل وعلا، الكوني النافذ إلا إذا وقع ظرفها وهو الواقعة، وذلك جار مجرى دلالة اللفظ الواحد أو المبنى الواحد على أكثر من معنى على وجه لا يقع به التعارض، كما اطرد في لسان العرب، بل إن ذلك من محاسنه، وهو أمر أشار إليه صاحب التحرير والتنوير، رحمه الله، في معرض بيان الفاء الرابطة لجواب هذا الشرط في قوله تعالى: (فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ)، فإنها رابطة لجملة الجواب بالشرط، ومفرعة مبينة لمجمل قوله تعالى: (وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً)، في نفس الوقت، فأجملت أصناف الناس يوم البعث، ثم جاء البيان عقيبها مصدرا بالفاء التفريعية التي بينت أفراد التقسيم الثلاثي، فكان ورود البيان عقيب الإجمال مصدرا بالفاء الرابطة لشرط من شأنه ابتداء أن يثير انتباه السامع فيتطلع إلى جوابه فضلا عن ورود الإجمال ابتداء والتثنية بالبيان، كما تقدم، فذلك، أيضا، مما يسترعي انتباه المخاطب.

وأشار ابن هشام، رحمه الله، في "مغني اللبيب"، (1/ 115)، إلى وجه آخر تقدر فيه: "إذا" الثانية في قوله تعالى: (إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا) بدلا من إذا الأولى، والذي حسنه طول الفاصل، فيحسن التكرار تذكيرا بأصل الكلام، كما في قوله تعالى: (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُرَابًا وَعِظَامًا أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ)، فأعيد المؤكد لطول الفاصل، وذلك، أيضا، أمر قد اطرد في التنزيل، من ثم يقدر للشرط جواب محذوف من قبيل: انقسمتم أقساما، فيكون ما بعده بيانا لمجمل تلك الأقسام، فجاء البيان الأول بيانا لعددها: (أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً)، ثم جاء البيان الثاني بيانا لأنواعها، فالتدرج في حصول البيان مما يسترعي انتباه المخاطب، ويرد على ذلك أن فيه تقدير محذوف، والأصل عدم الحذف، فمتى صح النظم بلا حاجة إلى تقدير محذوف، كما في تخريج صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فذلك مما يرجح حمل النظم عليه.

فإذا وقعت الواقعة: أي الكائنة أو الحادثة وهي علم بالغلبة على يوم القيامة، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فتكون: "أل" في: "الواقعة": عهدية تشير إلى واقعة بعينها من جملة الوقائع هي الواقعة العظمى، وفي الجناس الاشتقاقي بين الفعل والفاعل مزيد تنبيه على المعنى، فإذا وقعت، فعندئذ: ليس لوقعتها نفس كاذبة، أو مكذبة، على حذف الموصوف وإقامة الصفة محله، وهو أمر اطرد في التنزيل وسبقت الإشارة إليه في مواضع أخر كقوله تعالى: (أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ)، أي: دروعا سابغات، فوصف الجمع المكسر لغير العاقل يكون بجمع المؤنث السالم كما قرر النحاة في معرض بيان ما يجمع على حد جمع الإناث السالم، والإيجاز بحذف الموصوف من أضرب إيجاز الحذف التي نص عليها البلاغيون، وقد وقعت في التنزيل بحذف الموصوف وإقامة الوصف المفرد محله كما في هذه الآية، أو بإقامة الوصف الذي هو شبه جملة متعلقة بالوصف المحذوف في نحو قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ)، فتقدير الكلام: وإن أحد من أهل الكتاب. فيؤمن النصارى جميعهم إذا رأوا الموت على قول، ولا ينفع آنذاك نفس إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو قبل موت المسيح عليه السلام إذا نزل فيضع الجزية ولا يقبل إلا الإسلام أو السيف.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير