تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من قوله تعالى: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ ..... )

ـ[مهاجر]ــــــــ[07 - 04 - 2010, 08:21 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)

فالمضارعة مئنة من الاستمرار والتجدد، فذلك من فعل الرب، جل وعلا، المعلق بمشيئنه العامة، فيقلب القلوب، على جهة المبالغة فـ: "قلَّب" مضعف العين أبلغ في الدلالة على معنى التقلب من قلب غير المضعف، فذلك مئنة من كمال القدرة، فمن شاء أقام قلبه على الطاعة فضلا، ومن شاء أزاغ قلبه فمال إلى المعصية عدلا، فالعباد، كما تقدم في مواضع سابقة، دائرون بين الفضل والعدل، وفي ذلك إشعار بوجوب المبادرة إلى امتثال الحق، فمتى وجد الإنسان في نفسه ميلا إلى الحق، فليبادر، خشية أن تفتر الهمم وتضعف الأبدان، فما كان بالأمس مقدورا لم يصر كذلك اليوم، فمن وجد في نفسه قوة على حفظ الكتاب العزيز أو طلب العلم أو قيام الليل أو الجهاد في سبيل الله أو ..... إلخ من العبادات، فليبادر متى تيسر السبب، فإن الصوارف كثيرة فكم عقدت من همم ثم حلت بالتسويف حتى ولى زمان الكيس، وجاء زمان العجز، فإن تيسر السبب ولم يبادر العبد حال الصحة والفراغ، فإن العقوبة تكون بصرفه عن الطاعة، فإن الحق عزيز، فإن لم تبادر النفوس إلى تلقيه بالتعظيم والتبجيل، غادرها إلى غيرها، وخص القلب والبصر بالتقليب، لأن القلب هو مستودع القوى العقلية، والبصر هو مستودع قوى النظر الحسية، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فعمت العقوبة محال النظر والتدبر، فذلك من جنس قوله تعالى: (خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، فذلك من الختم الكوني، إذ علم الرب، جل وعلا، من حالهم أزلا، أنهم ليسوا بأهل للهداية التوفيقية الإلهامية، فصرف قلوبهم وأبصارهم عن الحق، والنفس، كما تقدم في مواضع سابقة، ما خلقت لتعرض بل لتقبل، فلما أعرضت عن قبول الحق والنظر فيه نظر التدبر والتعقل، لا نظر المعارضة والمعاندة كما يقع من كثير من أصحاب الشبهات الذين نظروا في الكتاب العزيز، معدن الهداية البيانية، بعين التشكيك لا التحقيق، فكان جزاؤهم من جنس عملهم فإنهم أرادوا الإضلال، فأضلهم الله، عز وجل، وجعل هذا الكتاب الذي هو، كما تقدم، أصل كل هداية، جعله لهم سبب ضلال، إذ كان نظرهم فيه على غير مراد الرب، جل وعلا، وفي حال كثير من المستشرقين والدارسين لعلوم الإسلام من غير أهله على جهة البحث والتنقير عن الشبهات أو تلفيقها ابتداء!، في حالهم أعظم شاهد لذلك، فإنهم مع عظم ما حصلوه من مسائل الشريعة لم يزدهم ذلك إلا عنادا واستكبارا وجحودا للحق، بل تزييفا له برسم الإنصاف والموضوعية والبحث العلمي المتجرد ..... إلخ من الشعارات الطنانة التي خدعت كثيرا من المسلمين، بما فيهم بعض طلاب علوم الشريعة ممن نجح الاستشراق في فتنتهم فصاروا على طريقته في البحث العلمي المتجرد!، فإثارة للشبهات وإنكار للمسلمات العقدية برسم التجرد في قبول الحق، فالشك، ولو في أصول الملة، أول درجات الإيمان!، وهو عند التحقيق أول دركات الإلحاد والمروق من الديانة كما وقع لكثير من أعلام العصر من أهل التنوير، وهم مادة ظلام فكري ابتلي بها المسلمون في الأعصار المتأخرة جزاء وفاقا لإعراضهم عن تعلم أصول وأحكام الملة الخاتمة، فلما فرطوا في الشريعة ولم تعد قلوبهم لها معظمة وأبصارهم لها ناظرة، كان الجزاء من جنس العمل، فقيض الله، عز وجل، لهم قرناء حطوا من قدر الشريعة في قلوبهم وصرفوا أنظارهم عنها بزعم اللحاق بركب الحضارة الأوربية المعاصرة!، ولم يستفد من صدقهم دينا يعصمه من الشبهات، ولا حتى دنيا من جنس الدنيا التي فتن بها الغرب، وفتن بها الشرق في زمن صار معيار الحضارة الأوحد فيه هو: القوة، ولو كانت برسم الظلم والعدوان، فالبقاء للأقوى عسكريا وسياسيا واقتصاديا وتكنولوجيا، ولو برسم التخريب والإفساد للكون، كما هو حال الحضارة الغربية المعاصرة التي لا تمتلك أي رصيد معرفي من علوم النبوات يلجم تلك القوة المتنامية، فقوى دنيوية بلا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير