تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من سورة الصف]

ـ[مهاجر]ــــــــ[25 - 03 - 2010, 08:24 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)

فذلك من التعريض بيهود، فذلك خصوص السبب، والعبرة بعموم لفظه، فيلحق الذم كل من آذى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، ولو بعد وفاته، فإن الأذى قد يكون حسيا بشخصه الكريم، أو معنويا بالتكذيب أو الطعن في رسالته صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما هو دأب الكفار الأصليين والزنادقة والمنافقين المنتسبين إلى الإسلام، فضلا عن الطعن في عرضه برميه بما هو منه براء من سيئ الأخلاق، أو رمي زوجاته الطاهرات، رضي الله عنهن، بما هن منه براء. فالحكم معلق بوصف عام تحقق في بني إسرائيل فاستحقوا الذم، ولا يمنع ذلك من تحققه في غيرهم فينالهم من العقوبة بقدر المخالفة، وإن كانوا متأولين، كما جرى لأهل أحد، لما خالفوا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا نسب بين الله، عز وجل، وبين عباده إلا الطاعة فلو خالفوا الأمر ولو كان النبي بين ظهرانيهم ما شفع لهم ذلك فقد خالف يهود أمر الكليم، عليه السلام، فأبوا دخول الأرض المقدسة، فاستحقوا التيه عقوبة كونية نافذة، ولما خالف الرماة أمره صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولو برسم التأول، استحقوا العقوبة، فمسهم القرح، وذلك عند التدبر والنظر، من تمام العناية بهم بتربيتهم تربية شرعية صحيحة، يكون العقاب فيها على مخالفة الأمر الشرعي، فذلك متعلق المدح والذم الرباني، فمن أطاع استحق المدح وإن كان وضيع النسب فطاعته ترفعه عند الباري، عز وجل، فهي الرحم الموصول بين الرب، جل وعلا، وعباده، ومن عصى استحق الذم ولو كان شريف النسب، فمعصيته تخفضه عند الرب، جل وعلا، فمخالفة الأمر مظنة الفتنة والعذاب الأليم، فمن خالف الأمر الشرعي فخرج عن ناموس النبوة، فله الفتنة بالشبهة أو الشهوة، فتلك عقوبة عاجلة، إذ انصرف القلب عن طاعة الرب، جل وعلا، فكان لزاما أن يمتلئ بالشبهات والشهوات، فإن الإعراض عن الامتلاء بالغذاء النافع من علوم النبيين لازمه الامتلاء بضده من وساوس الشياطين، ولذلك كان لزوم الجادة: جلبا للمصلحة بالسير على طريق الحق، ودرءا للمفسدة بالإعراض عن طريق الباطل، فينفع إيجابا بالتزام الحق، وسلبا بالإعراض عن الباطل، وعلى ما اطرد من طريقة المحققين من أهل العلم، أشار صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله إلى بيان مجمل الأذى الذي لاقاه الكليم عليه السلام من قومه، في نحو قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آَذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا)، فآذوه بعصيان أمره، وآذوه بلجاجتهم وكثرة سؤالهم، وآذوه بضجرهم وتململهم، وآذوه بعبادة العجل لما مضى إلى ميقات ربه، جل وعلا، وآذوه لما رموه بداء منفر في جسده، لكمال حيائه وستره، وهو ما يفتقده يهود الذين احترفوا كشف العورات، ولو كانت مغلظة، فهي سلعتهم الرائجة في إفساد أخلاق الأمم، كما هو الحال في زماننا، فصور إيذائهم للكليم عليه السلام قد تعددت، بل وطال أذاهم غيره من أنبياء بني إسرائيل، عليهم السلام، فقتلوا من قتلوا، وكذبوا من كذبوا، بل سعوا في سفك دم من ختمت به النبوة في بني إسرائيل: المسيح عليه السلام، فأنجاه الرب، جل وعلا، من كيدهم، بالرفع والتطهير من دنسهم، فتلك سمة رئيسة في الشخصية اليهودية الحقيرة، فإن من حقر من شأن النبوات، وتعدى عليها بالتحريف وإيذاء حملتها بالتكذيب والقتل، يناله من الصغار بقدر ذلك، فالنبوة معدن العزة، ومخالفتها معدن الذلة، وإن ظهر المخالف بعدة، كما هو حال يهود في زماننا، فإنهم أذلة وإن أظهروا خلاف ذلك بما فتنوا به من آلة الحرب، وهم في نفس الوقت، فتنة لغيرهم، لا سيما أتباع النبوة الخاتمة، فقد ذلوا لهم، مع أنهم المخاطبون بالنهي في قوله تعالى: (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير