تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من قوله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ)

ـ[مهاجر]ــــــــ[04 - 03 - 2010, 02:23 م]ـ

من قوله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَان) َ:

فهم الأنصار رضي الله عنهم، فقد اتخذوا دار الهجرة، فـ: "أل" في الدار عهدية تشير إلى معهود ذهني بعينه هو المدينة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، وتبوءوا الإيمان، فذلك من عظم تمكن الإيمان من قلوبهم حتى اتخذها موطنا، فيكون جاريا مجرى الاستعارة التصريحية التبعية إذ شبه رسوخ الإيمان في القلب باتخاذه مباءة، فالرسوخ المعنوي من جنس الرسوخ الحسي، ففي كلاهما من التمكن من الموضع الذي يحل فيه المبنى المحسوس أو المعنى المعقول ما فيه، وذلك، كما ذكر صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، جار مجرى استعمال اللفظ الواحد في حقيقته ومجازه في سياق واحد، كما في قوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ)، فالسجود في حق بني آدم: حقيقة شرعية في الركن المعروف، وحقيقة لغوية في الخضوع والتطامن، فاستعمل في حقيقته اللغوية في موضع، واستعمل في حقيقته الشرعية في موضع تال في نفس السياق، فالكائنات لا تسجد السجود المعهود بداهة لعدم التكليف، فهو مما اختص به بنو آدم، فعدل عن الحقيقة الشرعية إلى الحقيقة اللغوية مع تبادر الأولى إلى الذهن في النصوص الشرعية، فالأصل فيها حمل الألفاظ على حقائقها الشرعية فلا يعدل عنها إلا لقرينة فذلك وجه المجاز فيها، وإن عدل عنها إلى حقيقة لغوية، فإن العدول عن معنى متبادر إلى الذهن أيا كان: حقيقة شرعية أو عرفية أو اصطلاحية أو لغوية ........ إلخ، مما يتبادر إلى الذهن من ظواهر الألفاظ، ذلك العدول عن ظاهر اللفظ الراجح إلى معنى غير متبادر فهو طرف مرجوح في مقابل الظاهر الراجح، لا يكون إلا بقرينة صارفة، وهذا حد التأويل عند الأصوليين، وهو نفسه حد المجاز عند البلاغيين، فالعدول عن حقيقة مشتهرة إلى حقيقة مهجورة، أو نادرة الاستعمال، لقرينة صارفة، مجاز عند من يقول بالمجاز، فليس شرطا أن يكون العدول من حقيقة إلى مجاز لقرينة، بل العدول من حقيقة إلى أخرى نوع مجاز، إذ معياره، كما تقدم، صرف المتبادر إلى الذهن، أيا كان نوعه، إلى غير المتبادر لقرينة.

فكذلك الحال في هذه الآية فإن التبوؤُ: حقيقة في المحسوسات، مجاز في المعقولات، فاستعمل في سياق واحد في معنييه الحقيقي والمجازي، وذلك، كما تقدم، شاهد لمن جوز دلالة اللفظ ذي الحقيقة والمجاز، على كلا المعنيين في سياق واحد، فيكون حقيقة في موضع مجازا في موضع تال أو سابق في نفس السياق، وأما من أنكر المجاز فإنه يجيب عن ذلك بأن القرينة قد استفيدت من نفس السياق، فالسجود معنى كلي يدل على الذل والخضوع، فهو مشترك معنوي، وهو من هذا الوجه مطلق الدلالة، فتخص دلالته بورود التقييد بالإضافة، وذلك من جملة السياق، فالقرينة لفظية سياقية لا عقلية خارجة عن السياق، فهو من قبيل الظاهر المركب، أو الظاهر الذي احتفت به قرينة رجحت أحد معنييه، ولو غير الراجح، فصيرته نصا جازما فيه، فصار حقيقة في ذلك المعنى فلا مجاز إذن، فإن تقييد السجود ببني آدم صارف له إلى السجود الاصطلاحي فصار حقيقة في السجود الشرعي فلا مجاز فيه، وتقييده ببقية الكائنات صارف له إلى السجود اللغوي فصار حقيقة في الذل والخفض والتطامن والخضوع ........ إلخ من معاني الانقياد، وهو المراد هنا، فالكائنات كلها بهذا المعنى ذليلة منقادة لأمر الرب، جل وعلا، الكوني النافذ، والعرب قد عرفت ذلك في لسانها فأطلقت السجود على غير العاقل على أحد تلك المعاني، كما حكى صاحب "اللسان"، رحمه الله، قولهم: "وقلنَ له أَسجِدْ لِلَيْلى فأَسجَدَا يعني بعيرها أَنه طأْطأَ رأْسه لتركبه"، فأطلقوا السجود على البعير، ولم يريدوا بداهة السجود الشرعي فلم تكن ثم شريعة، والبعير غير مكلف بعد ورود الشرع!، فصار اللفظ بقرينة التقييد بالكائنات غير العاقلة: حقيقة في السجود اللغوي الذي يعني الخضوع والذل والخفض ....... إلخ، كما سبقت الإشارة إلى

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير