تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ومن قوله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا ...... )

ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 04 - 2010, 09:42 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)

فذلك من التشويق، كما يقول صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، بإيراد الماضي وإرادة المضارع،، فالمثل لم يكن قد ضرب بعد، فجاء الماضي مثيرا لانتباه المخاطب، فذلك على وزان قوله تعالى: (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ)، أي: سيأتي، لقرينة: (فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ)، وجاء المثل مجملا، ثم جاء بيانه عقيبه، على جهة عطف البيان، فذلك، أيضا، مما يزيد تشويق المخاطب، وكل ذلك مما يزيد المنة الربانية، بالتمهيد لذكرها على هذا النحو، فكانت آمنة مطمئنة، فتلك النعمة المعقولة، وهي عند التحقيق، أعظم من النعمة المحسوسة، فإن الإنسان لا يحس بلذة النعمة، مع عدم الأمن، سواء أكان مخوفا في بدنه، كما هي حال كثير من أهل الإسلام في زماننا، فالأمن قد صار مطلبا عزيزا، وتلك عقوبة ربانية عاجلة لأمة قعدت عن وظيفتها الأولى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)، فحالها الآن: "إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ"، فلما ابتغوا الأمن في القعود: جاءت العقوبة بنزع ما ظنوا القعود مظنته، فذلك من قبيل: مقابلة المريد لشيء بنقيض مراده فذلك أنكى في نفسه!، ففساد التصور لمعنى الأمن المعتبر لا المتوهم، ولأسبابه، فيسعى الإنسان في تحصيل أسباب هي في حقيقتها أسباب الذل، ويجعل ذلك مرادفا للأمن، فلا يأمن على بدنه إلا من كان ذليلا!، فصار الأمن لفساد التصور المتقدم: قرين الذل والخضوع، فطلب السلامة يقتضي السكوت، ولو لم يكن ثم إكراه معتبر، فالسلامة لا يعدل بها شيء!، والشاهد أن ذلك الفساد العلمي هو الذي ولد الفساد العملي بالقعود والنكول عن حمل هذه الرسالة، فجاء العقاب كما تقدم خوفا متزايدا، حتى هجر كثير من أهل الإسلام بلادهم، وبعضهم قد هجرها بماله، فلا يأمن عليه إن تاجر به في بلاد الإسلام، ويأمن عليه في مصارف أوروبا وأمريكا!.

والخوف الأكبر: خوف من كان مخوفا في نفسه، فكثير قد استوفى شرائط الأمن البدني فلديه الحرس العام والخاص!، ولديه الغذاء الذي يكفيه أياما بل شهورا، وهو مع ذلك خائف في نفسه من مجهول ينتظره، فليس لديه مادة الأمن الحقيقي مادة: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

وأشار صاحب "التحرير والتنوير"، رحمه الله، إلى وجه آخر يكون السياق فيه خبري المبنى إنشائي المعنى على تقدير: اضرب لهم مثل قرية كانت آمنة ...... ، فيكون ذلك من قبيل قوله تعالى: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ).

فالمنة الربانية على تلك القرية عظيمة وهي مئنة من كمال عنايته، عز وجل، بها، فأنعم عليها، تبارك وتعالى، بأسباب الأمن والطمأنينة، وقدم الأمن على الطمأنينة لكونه سببها، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فالعطف: عطف لازم على ملزومه، فلازم الأمن: الطمأنينة، فالأمن هو السبب الخارجي، والطمأنينة هي الشعور الداخلي، وفي هذا البيان بالإطناب في ذكر السبب والنتيجة، مزيد توكيد على نعمة الرب، جل وعلا، فضلا عن تصديرها بفعل الكينونة الماضي فذلك مئنة من التتابع في الزمن الماضي، فجنس النعمة متوال لا ينقطع، فليس أمنا عارضا يعقبه الخوف، وإنما هو أمن دائم لا انقطاع له، ونكرت القرية: إرادة التعريض، كما أشار إلى ذلك صاحب التحرير والتنوير رحمه الله، فالمثال قد أطلق فيعم المخاطبين وغيرهم، فالأوصاف العامة: معايير لا تختص بصورة دون أخرى،

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير