تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من سورة النازعات]

ـ[مهاجر]ــــــــ[30 - 03 - 2010, 08:18 ص]ـ

ومن قوله تعالى:

(وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى):

فمن خاف مقام الرب، جل وعلا، فاستحضر مقام ربوبية الجلال، فالخوف متعلق أفعاله، عز وجل، وأفعاله أثر صفات جلاله وقدرته، فنظر إلى أفعاله الجليلات في كونه بالإهلاك للمكذبين، والتنكيل بأعداء المرسلين أورثه ذلك لزوما: شفقة تحمله على نهي النفس عن الهوى، فذلك لازم الربوبية، فالتأله باجتناب المنهي عنه فرع عن استحضار مقام ربوبية الجلال التي عنها يصدر عذاب الرب، جل وعلا، فالعذاب أثر وصف جلاله في أعدائه، فينزل بكلماته الكونيات النافذة بساحة من خالف حكمه الشرعي، والنهي من جملته، فذلك جار على ما اطرد في التنزيل من التلازم الوثيق بين مقام الربوبية، فذلك فعل الرب، جل وعلا، ومقام الألوهية، فذلك فعل العبد، والنهي: أمر وجودي، مع كونه لازمه: الامتناع، فالامتناع عن ارتكاب المحظور: فعل يثاب عليه العبد، وذلك مما يشهد لقول من رجح أن الترك فعل، كما أشار إلى ذلك صاحب "المراقي"، رحمه الله، بقوله:

والترك فعل في صحيح المذهب ......

قال صاحب "الأضواء" رحمه الله:

"وهنا ما يشهد له الاستعمال العربي الصحيح، كما قيل في بناء المسجد:

لئن قعدنا والنَّبي يعمل ******* لذاك منا العمل المضلل

فسمي القعود عن العمل عملاً مضللاً". اهـ

يقول ابن القيم رحمه الله:

"فترك الإنسان لما نهى عنه ومعرفته بأنه ذنب قبيح وبأنه سبب العذاب فبغضه له وكراهته له ومنع نفسه إذا هويته وطلبته منه أمور وجودية كما أن معرفته بالحسنات كالعدل والصدق حسنة وفعله لها أمر وجودي والإنسان إنما يثاب على ترك السيئات إذا تركها على وجه الكراهة لها والامتناع عنها وكف للنفس عنها". اهـ

"شفاء العليل"، ص268.

فالعطف: عطف متلازمان، إذ استحضار مقام الربوبية على جهة الإحسان والمراقبة، فيخاف العبد مقام ربه الجليل العليم بمكنون الصدر، ذلك الاستحضار لازمه امتثال أحكام الرسالات: فعلا للمأمور وتركا للمحظور، وهو ما قد جاء النص عليه من باب ذكر التخلية من وصف السوء بكف النفس عن الهوى، فدلت هي الأخرى لزوما على التحلية للمحل بأوصاف الخير بعد تخليته من خلال الشر، فالترك، غير مراد لذاته، وإنما يراد لتخلية المحل فيقبل آثار التحلية بفعل الخير، فلازم التخلية من فعل الشر: التحلية بفعل الخير، وإنما يقدم ترك الشر من باب: درء المفسدة المقدم على جلب المصلحة.

فالشاهد أن العطف من عطف التلازم العقلي الوثيق، فاللازم وثيق الصلة بملزومه، إذ هو فرع عنه، فذلك من جنس عطف المعلول على علته، فهو، أيضا، فرع عنها، فالعلة تؤدي إلى معلولها، لزوما، فإذا صلح الباطن باستحضار مقام الرب، جل وعلا، خوفا، صلح الظاهر بالكف عن المنهيات، فذلك من التلازم الوثيق بين الباطن والظاهر، فالباطن يحدث أثره في الظاهر لزوما، فالبدن آلة لا تعمل إلا بأمر الروح الباطن، فإذا صلح القلب الذي هو مستودع التصورات والإرادات، ففيه القوة العاقلة التي تأتمر الجوارح بأمرها، فإذا صلح، صلحت سائر الأركان، وإن فسد فسدت سائر الأركان، كما أثر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فذلك أصل في التمازج الدقيق بين الروح الباطن والبدن الظاهر، فأحكام هذا الدين قد استوفت كلتا القوتين: القوة الباطنة: معدن التصورات، والقوة الظاهرة: فهي ترجمة ما قام بالقلب من الإرادات التي لا يعلمها إلا الرب، جل وعلا، وإنما يظهر منها تبارك وتعالى، ما شاء، فبه يعرف طيب المحل من خبثه، مهما أخفى صاحبه فتجمل بما ليس به من خلال الخير فـ:

"ما أسر أحد سريرة إلا أظهرها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه".

و: مهما تكن عند امرئ من خليقة ******* وإن خالها تخفى على الناس تعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير