تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من صفات المنافقين]

ـ[مهاجر]ــــــــ[22 - 03 - 2010, 08:52 ص]ـ

ومن أوصاف المنافقين في سورة التوبة:

ومن قوله تعالى: (إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ (50) قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)

فطباق الإيجاب بين الحسنة وفعل الإساءة الذي يقع لهم من لحوق الحسنة بالمؤمنين، فالطباق حاصل بين المادتين: مادة الحسن ومادة السوء، ذلك الطباق يزيد المعنى بيانا، فهم متربصون بالمؤمنين منتظرون وقوع المكروه بهم، وتلك حال الكفار التي ورد ذكرها في سورة آل عمران في قوله تعالى: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)، فالحسنة والسيئة في هذا السياق بمعنى: النعمة والمصيبة، ولذلك قابل بين الحسنة في الشرط الأول، والمصيبة في الشرط الثاني، ففي الشرطين مقابلة بين شرطين فكل منهما دال على نفسه دلالة منطوق، وعلى الآخر دلالة مفهوم، فمفهوم: حزنهم بإصابة الحسنة إياكم: فرحهم وتوليهم في معرض الابتهاج وإظهار الشماتة فقد أخذنا أمرنا، فتهيأنا بما ينجينا من تلك المصيبة، وذلك من فساد التصور بمكان، فقد بذلوا الدين لنيل الدنيا فصارت السلامة في قياسهم الفاسد: سلامة الأبدان، وإن فسدت الأديان، وكل مصيبة، لو فقهوا، بعد مصيبة الدين تهون، فلا أعظم من مصيبة الدين، ولذلك قالت الأنصارية المسددة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقد قتل من أهلها من قتل، قالت له لما رأته سالما: "كل مصيبة بعدك جلل"!. قال ابن هشام رحمه الله: "الجلل يكون من القليل والكثير، وهو ههنا القليل"، فللِّه درها من فقيهة، ومفهوم: فرحهم وابتهاجهم حال توليهم إذا أصابتكم مصيبة كونية مما يعرض لكل فرد أو جماعة تمحيصا وابتلاء، فـ: (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)، مفهومه: ما تقدم من جملة الشرط التي صدرت بها الآية، فإن يصبكم ضد المصيبة من الحسنة، يصبهم ضد الفرح من الحزن. والشاهد أن المقابلة بين الحسنة والمصيبة مئنة من إطلاق الحسنة، وإرادة النعمة التي تقابل المصيبة، وكذلك إطلاق المصيبة في جملة الشرط الثانية في مقابل الحسنة مئنة من إرادة السيئة، فذلك وجه الطباق بينهما، وإن كان فيه نوع خفاء، وقد جاء صريحا بين: الحسنة والسيئة، في قوله تعالى: {إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها}، والمصيبة، من جهة أخرى، مادة تدل على حلول الشيء أو نيله أو مصادفته، ومن ثم خصها عرف اللغة بما يكره الإنسان، كما أشار إلى ذلك صاحب التحرير والتنوير رحمه الله، فهي حقيقة لغوية مطلقة في كل ما يصيب الإنسان، حقيقة عرفية مقيدة بما يحزنه، ولا زال عرف اللغة في زماننا جاريا بذلك. والحقيقة العرفية، كما قرر البلاغيون، مقدمة على الحقيقة اللغوية، فالأولى بمنزلة الخاص أو المقيد، والثانية بمنزلة العام أو المطلق، والخاص يقضي على العام، والمقيد يقضي على المطلق ففيهما زيادة بيان، فيقدمان من هذا الوجه، بل إن المجاز، عند من يقول به، إن كان مشتهرا، فإنه يقدم على الحقيقة اللغوية المطلقة، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في مواضع سابقة، مع أن الحقيقة أصل والمجاز فرع، وتقديم الفرع على الأصل خلاف الأصل، فالأصل حمل الكلام على الحقيقة إلا إذا تعذر ذلك لقرينة لفظية أو عقلية معتبرة، ولكن المجاز لما احتف به من قرينة العرف المشتهر، قد صار جاريا مجرى الحقيقة العرفية المقيدة لإطلاق الحقيقة اللغوية، فقدم من هذا الوجه، وللعرف شأن كبير في تخصيص المعاني سواء أكان عرفا عاما أم خاصا بين أصحاب فن أو صناعة بعينها، فهو مخصص لإطلاقات الألفاظ، كما يضرب الأصوليون لذلك مثالا بمن أوصى بدوابه لفلان، فإن حقيقة الدابة اللغوية هي كل ما يدب على الأرض، وحقيقتها العرفية المقيدة: ذوات الأربع، بل ربما ضيق العرف في

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير