تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من قوله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ ..... )

ـ[مهاجر]ــــــــ[31 - 03 - 2010, 07:55 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا).

فذلك من خطاب المواجهة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيعمه ويعم أمته معه لانتفاء دليل الاختصاص، فالأصل في خطابات الشارع، جل وعلا، العموم، فتشمل سائر المكلفين، والأمر فيه: للإرشاد ولا يخلو من معنى الوجوب، فملازمة جماعة المؤمنين أمر واجب، كما في حديث حذيفة، رضي الله عنه، مرفوعا وفيه: "تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ قَالَ فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ"، وقد تعدى فعل الصبر بـ: "مع" لتضمينه معنى الإلزام، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله، فآل المعنى إلى: ألزم نفسك المكث والبقاء مع الذين يدعون ربهم، فجاء التعريف بالموصولية مئنة من تعليق الحكم على الوصف الذي اشتقت منه جملة الصلة: وهو دعاء الرب، جل وعلا، على جهة الدوام، فذلك مما يدعو العاقل المسدد إلى ملازمتهم على جهة الدوام، أيضا، فديمومة الملازمة فرع عن ديمومة صلاح الحال بدعاء الرب، جل وعلا، فجانبهم مأمون في كل وقت فلا يخشى المخالط لهم على إيمانه من أن ينتقص بشبهة أو شهوة، وتعلق فعل الدعاء بوصف الربوبية، لكونه مظنة الثناء أو المسألة، وكلاهما لا يكون إلا للرب، جل وعلا، فله ربوبية الكمال بأوصاف الجلال والجمال، وله ربوبية العناية والتدبير فيعطي ويمنع، فعنده مفاتح الرزق فغيره محض سبب يسوق به الرب، جل وعلا، الرزق إلى صاحبه، فيأخذ به المكلف على جهة التعبد لله عز وجل بما أمر به من تحصيل الأسباب الشرعية والكونية.

وبعد الأمر بصبر النفس مع أهل الطاعة فذلك جانب الفعل، وعلى ما اطرد من دلالة العقل على لزوم الأمر بالشيء: النهي عن ضده، جاء النهي عن طاعة أهل الغفلة:

وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا:

فذلك، أيضا، من خطاب المواجهة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمراد به أمته لمكان عصمته صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو هو من خطاب الإرشاد والتحذير فلا يلزم منه وقوع الفعل، وإنما ذلك بمنزلة التوقي والصيانة من أسباب المرض، فـ: لا تطع من أغفلنا قلبه: فذلك من فعل الرب، جل وعلا، فيقضي كونا على قلوب بالغفلة، فذلك مقتضى عدله، كما قضى على قلوب أخرى باليقظة، فذلك مقتضى فضله، فالعباد بين فضله وعدله دائرون، وجاء الفعل مسندا إلى ضمير الفاعلين مئنة من كمال قدرة الرب الجليل، تبارك وتعالى، فالقلوب بين أصبعيه، يقلبها كيف شاء، فإن شاء أغفل القلوب وأمات الضمائر، وإن شاء أيقظ الهمم وأحيى العزائم، فكل حركة باطنة أو ظاهرة لا تصدر إلا عن كلماته الكونيات التي يدبر بها أمر كونه، وإغفال القلب إنما يكون بالشبهات التي تغزو جانبه العلمي، أو الشهوات التي تغزو جانبه العملي، فيجهل العواقب لعارض الشبهة أو الشهوة الوارد، فهو مظنة فساد التصور العلمي والإرادة العملية، فكلاهما مئنة من الجهل، سبب الغفلة الرئيس، فلو علم الإنسان عاقبة غفلته ما استرسل فيها، وإنما زين الله الشيطان شبهة عقلية أو شهوة نفسانية فأعمت بصيرته وحجبت عن قلبه نور الهداية الشرعية، فلم يصر أهلا للهداية الكونية: هداية التوفيق والإلهام، فما ضل عن الأمر الشرعي إلا بالأمر الكوني الذي قضى عليه بالضلال فمحله غير قابل لآثار الوحي النافع، بل هو على ضد ذلك: محل قابل لآثار الوحي الضار من وساوس الشيطان وخطراته.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير