تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من قوله تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْر)

ـ[مهاجر]ــــــــ[10 - 04 - 2010, 09:56 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)

فذلك من لمة الشيطان، فالشيطان يعد الإنسان بهاتف الشر على جهة المضارعة والتوكيد باسمية الجملة وتكرار الفاعل، على ما اطرد في الجملة الاسمية التي خبرها: فعل، فاعله قد استتر فيه، فيعدكم الفقر، ليأمركم، على جهة الوسواس، بالبخل، فـ: "أل" في "الفحشاء"، عهدية، تشير إلى فحش بعينه هو: البخل، لقرينة السياق، فالآية قد وردت في سياق يبين جملة من أحكام الإنفاق، ووسواس الشيطان في هذا الباب إنما يتوجه بداهة إلى تزيين معصية الإمساك عن الإنفاق في سبيل الله، فصار لفظ: "الفحشاء" في هذا السياق من قبيل المجمل التي يفتقر إلى البيان مع وضوح دلالته المعجمية، فمادة: "فحش" في لغة العرب تدل على القبيحُ من القول والفعل، فتعم كل صور القبح القولي والفعلي، ودلالة العام على أفراده: ظنية تقبل التخصيص، فخصص العموم في هذا الموضع حتى لم يبق منه إلا فرد واحد، فصارت دلالته مجازية، عند من يقول بالمجاز، فالعهد يشير إلى فرد بعينه من أفراد عموم يستغرق بأصل وضعه أفرادا كثيرة، فآلت الصورة إلى صورة: العام الذي أريد به خاص بعينه، وذلك عند من يثبت المجاز: من قبيل المجاز المرسل، فعلاقته العمومية أو الكلية، إذ أطلق العام أو الكل، وأراد الخاص أو البعض، ومن ينكر المجاز فإنه على أصله المطرد في هذا الباب يرد الأمر إلى القرينة السياقية، فالدلالة الحملية للألفاظ بالنظر إلى السياق الذي وردت فيه تغاير الدلالة المعجمية، فقد تكون الدلالة الحملية أوسع من الدلالة المعجمية، كلفظ: "الإيمان" فإن دلالته المعجمية تدل على التصديق وقدر زائد هو الإقرار، بينما دلالته الحملية في نصوص الشريعة تدل على اعتقاد القلب الباطن، وقول اللسان الناطق، وعمل الجوارح الظاهر، وقد تكون أضيق، كما في هذه الصورة التي ضاقت فيها دلالة العام حتى اقتصرت على فرد بعينه هو: البخل، لقرينة ورود ذلك في سياق يبين جملة من أحكام النفقة في سبيل الله، فوسواس الشيطان في هذا الباب، ينصرف بداهة، كما تقدم إلى الأمر بالإمساك خشية الفقر، فيخوف المنفق من عاقبة إنفاقه!.

وأمر الشيطان: أمر وسوسة، كما تقدم، فليس شرعيا، فالكافر لا يأمر بالطاعة، والشيطان رأس الكفر فلا يأمر بالخير إلا ليمكر بالعبد بصرفه عن خير أعظم، فذلك آخر حيله مع العبد إن صمد للعدو الباطن والخارج، فيجيش لقتاله جيوش الشبهات والشهوات وجيوش العدو الظاهر من شياطين الإنس: ترغيبا وترهيبا ليعدل عن طريق الهداية، أو اضطرارا كما في حديث تعليم الشيطان آيةَ الكرسي لأبي هريرة رضي الله عنه.

واللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا: فذلك من المقابلة لوعد الشيطان، فجاء على نفس النظم، إذ صدر بالفاعل المعنوي، وجاء المسند: فعلا مضارعا مئنة من التجدد والاستمرار، فهو من وصف فعل الرب، جل وعلا، المتعلق بمشيئته النافذة، فذلك جار على ما تقدم في مواضع سابقة من أولية الرب، جل وعلا، ذاتا وصفات، فاتصف جل وعلا، بنوع الصفة الفعلية، وظهرت آثارها متجددة بتجدد مشيئة الرب، جل وعلا، الاتصاف بها إذا وجد سببها، فالوعد يتجدد بتجدد سببه من الطاعة، والوعيد يتجدد بتجدد سببه من المعصية، فيعد، جل وعلا، وعدا متجددا مستمرا، عباده بالمغفرة والفضل. ونكرت المغفرة والفضل مئنة من التعظيم، فضلا عن صدورهما من الرب، جل وعلا، فـ: "من": تفيد ابتداء الغاية، فذلك آكد في بيان عظم المنة الربانية بالمغفرة والفضل، فعظم المنحة من عظم المانح، وفي السياق إيجاز بحذف المتأخر لدلالة المتقدم عليه، فتقدير الكلام: والله يعدكم مغفرة منه وفضلا منه، فاكتفي بالقيد الأول على ما اطرد في لسان العرب من الاكتفاء بالقيد الواحد لمقيدات متتالية في سياق واحد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير