تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[التردد والتكرار ..]

ـ[حبيب مونسي]ــــــــ[01 - 12 - 2009, 10:04 م]ـ

التردد والتكرار.

التردد والتكرار بين العرض البلاغي والغرض التواصلي .. الحلقة الأولى

أ. د. حبيب مونسي

كلية الآداب والعلوم الإنسانية- سيدي بلعباس- الجزائر

1 - تقديم:

يتوجب علينا منذ البدء تقرير حقيقة نصية، نبني عليها تصورنا للنص مهما كان انتماءه الجنسي: شعرا أو نثرا، قصة أو مسرحية .. ذلك أننا نعتقد أن النص الأدبي على وجه الخصوص، والنص الفني على العموم، إنما هو التجسيد المكتمل لتجربة عاناها المبدع، وخامرت مشكِّلاته النفسية والمعرفية. فكان لها من المخامرة لبوسها اللغوي المناسب لطاقتها الدلالية. وأن النص أخيرا، هو ذلك الثوب الذي إن أضفنا إليه شيئا، أو انتقصنا منه غيره، اعتراه العيب في الإضافة والنقص معا.

إنها الصورة المثالية للنص المكتمل، ومعنى الاكتمال هنا، أننا أمام الشكل الذي كانت التجربة تقتضيه وتطلبه من دون سائر الأشكال الممكنة. فالاكتمال هو الموافقة التي نجدها بين شدة التوترات التي تشحن الذات المبدعة وشكل النص الذي تتمظهر فيه أخيرا. فليس الاكتمال وهم مثالي وحسب، وإنما الاكتمال درجة من العقد بين التجربة والشكل المجلِّي لها في الصنيع الفني. فكل إضافة، أو تحوير في النسيج الشكلي، سيفسد الصنيع أيّما إفساد. فإذا تقرر لدينا هذا الفهم، أمكننا الساعة أن نضيف أمرا آخر يتصل بالمجال الذي ننوي السير فيه. فإذا قرر المبدع أن يضيف إلى اللوحة المنتهية، أو القصيدة، أو التركيبة الموسيقية، لمسة لونية، أو كلمة، أو صوتا جديدا. فالنص الذي يتجسد بين يديه -إثر الزيادة- ليس هو النص الأول البتة، مهما كانت الزيادة ضئيلة. بل إننا نقابل بعدها نصا آخر، يختلف عن النص الأول، وإن اشترك معه في كثير من السمات.

ذلك أننا نجد أن الزيادة التي تطرأ على النص –بعد الاكتمال الأولي- زيادة ليست من صميم التجربة، ومواد اختمارها الأساسية، ولا من وتيرتها الشاحنة لأحاسيسها المؤسِّسة. وإنما هي من قبيل الزيادات التي يمليها وعي مُغاير، كثير الشُّخوص، بارد الحساسية، فاتر الدفق. إنه الاعتلال الذي يلحق النص الأصلي، فينسحب به إلى وجهة غير وجهته.

إنها حقيقة نجد أبعادها النفسية في التركيبة العجيبة للذات المبدعة نفسها. ذلك أننا نلاحظ في المبدع –أثناء عمليات الإبداع- كثير من التحولات الداخلية والخارجية، تجنح به بعيدا عن "السوِّية" التي نزعم أنها في العامة من الناس. فمزاجه الخاص في ذلك "الآن" يرتقي به إلى مدارات، تتجرد فيها الذات مما يُلابسها من ثقل وكدارة، وتتخفّف من كل عبء، سوى عبء الهاجس الذي يؤرقها. وطبيعة النص الذي يمليه "الطبع" –في عرف الأقدمين- من هذه الطينة التي تشكل الإبداع أساسا. بيد أن "الإضافة" تأتي من معدن مغاير، يكون فيه المبدع قد استحال إلى ذات لا تختلف عن سائر الذوات الأخرى. فما يأتي منها في "آنها" الحاضر، لا يمكن أن يشاكل ما أتاها من آنها الغائب. بل ستكون الإضافة أمرا نشازا، يُدخل في الدفق الإبداعي صوتا غريبا طارئا، يشوش صفاء الدفق، ويقطع فيه وتيرته الشاحنة لحساسياته المختلفة.

إن النص "الملوث" نص آخر! تلك حقيقة تنطق بها طبيعة العمليات الإبداعية، وتكشفها الأمزجة المتقلبة للذات المبدعة بين الآنين. فإذا وعينا عن الإبداع هذه الوضعية الغريبة التي أرجعها النقد –قديمه وحديثه- إلى التنقيح، والتجويد، والتحكيك .. فإننا لا نلتمس "صدق" الإبداع إلا في الهيئة الأولى التي عرفها النص قبل أن تطاله يد المراقبة التي قد تجتهد في التماس الإجادة، ولكنها –حتما- ستفشل في المسك بالعبقرية الفطرية في الإبداعية ذاتها. وقولنا أن النص المحكك نص ثان .. نص منافق .. يرضي الرقابة قبل أن يرضي الفن، يسعفنا في درء مقولة أخرى: هي مقولة التكرار.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير