تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[البرهان في إعجاز القرآن]

ـ[بكر الجازي]ــــــــ[03 - 12 - 2009, 10:05 ص]ـ

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته، وبعد:

فإنه لمّا كان عمادُ الإسلامِ شهادةَ ألاّ إله إلاّ الله، وأنَّ محمداً صلى الله عليه وسلَّم عبدُه ورسولُه، كان تحصيلُ العلمِ بأنَّ اللهَ سبحانه وتعالى موجود، وأنَّه لا إله غيرُه، وأنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم رسولُ اللهِ من أوجبِ الواجباتِ، كيف لا؟ وهاتان الشَّهادتانِ هما عمادُ الإسلامِ ومفتاحُ الدُّخولِ فيه.

وتحصيلُ العلمِ بهذا يكونُ بالنَّظرِ في إقامةِ الأدلَّةِ والبراهينِ على صدقِ هذه الدَّعاوى، إذ وجودُ اللهِ من حيث هو دعوى يلزمُها دليلٌ، و "لا إله إلا الله" دعوى يلزمُها دليلٌ، وأنَّ محمداً صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رسولُ الله هي أيضاً دعوى يلزمُها دليلٌ، فكان النَّظرُ من أجلِ تحصيلِ العِلمِ بِصحَّةِ هذه الدَّعاوى، بما تذعنُ له النَّفسُ، ويطمئِنُّ له القلبُ من أوجبِ الواجباتِ في الدِّينِ.

أمّا الرُّكنُ الأَوَّلُ في هذه الشَّهادةِ "لا إله إلا الله" فأمرٌ يَتَبَيَّنُه النَّاظرُ في هذا الكونِ، إذ يَستَدِلُّ بهذا الكونِ وما فيه من عجائبَ على ضرورةِ وجودِ موجودٍ أوَّلَ، هو واجبُ الوجودِ، تستندُ الأشياءُ جميعُها في وجودِها إليه، ولا يستندُ هو إلى شيءٍ؛ يدركُ الناظرُ أنَّ هذا الكونَ بما فيه يستوي فيه جانبا الوجودِ والعدمِ، فكانَ لا بُدَّ لِترجيحِ الوجودِ على العدمِ فيه من مرجِّحٍ، ثم إنَّ هذا المرجِّحَ للوجودِ على العدمِ لو كان من جنسِ الكونِ، لَتَسَلسَلَ الأَمرُ، ولمّا كان التَّسلسلُ محالاً، كان لا بدَّ من وجودِ موجودٍ أَوَّلَ هو واجبُ الوجودِ لا يستندُ في وجودِه إلى شيءٍ. ثم نستوي بعد إثباتِ ضرورةِ وجودِ واجبِ الوجودِ إلى إثباتِ وحدانِيَتِه سبحانه وتعالى، وأنَّه لا يجوزُ أن يكونَ متعدِّداً، بل لا يكونُ إلاّ واحداً، إذ لو كان مُتعدِّداً أدَّى هذا إلى ثبوتِ الاحتياجِ في حقِّه، ولمّا كان الاحتياجُ في حقِّه محالاً كان التَّعَدُّدُ محالاً، فَنَشهَدُ بحقٍّ ألاّ إلهَ إلاّ الله، وحدَه لا شريك له، شهادةً تطمئِنُّ بها النَّفسُ، ويذعنُ لها القَلبُ، والدخولُ في تفصيلاتِ إثباتِ وجودِ اللهِ وأنه واجبُ الوجودِ، واحدٌ لا شريكَ له، ممّا يطولُ، ولكن اكتفينا بالإشارةِ إليه، ولمن أراد الاستزادةَ أن يرجعَ إليه في مظانِّه.

أما الرُّكنُ الثَّاني من هذه الشَّهادةِ "محمدٌ رسولُ اللهِ" فلا بدَّ في إثباتِها أن نقدِّمَ لها بمقدمتين:

1. الأولى: أنَّ بعثةَ الأنبياءِ من الأُمورِ الجائزةِ عقلاً، إذ ليست من المحالاتِ، ولا هي من الواجباتِ، فكانت من الأُمورِ المُمكِنةِ.

2. الثانية: أنَّ هذا الجائزَ واقعٌ، أو قد وقعَ بالفعلِ، فقد بَعَثَ اللهُ الأنبياءَ، وعرَّفَ النَّاسَ صدقَهم بأمورٍ خارقةٍ أجراها اللهُ على أيديهم، ممَّا لا يكونُ من البَشَرِ أن ياتوا بها أو بمثلِها. وهذا ما يُعرفُ عند علماءِ الكلامِ وأصولِ الدِّينِ بالمعجزةِ.

والنَّظرُ في إثباتِ نبوَّةِ محمدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يكونُ بالنَّظرِ في آيةِ نبوَّتِه، والعلامةِ الدَّالَّةِ على رسالتِه، في القرآنِ الذي جاء به، والذي تحدَّى إليه العربَ أن يأتوا بمثلِه، فإذا ما أثبتنا أنَّ القرآنَ الذي جاء به محمدٌ صلى الله عليه وسلَّم ممَّا ليس في وُسعِ البَشَرِ ولا في مقدورِهم أن يأتوا بمثلِه، وأنَّه قد تحدَّى إليه العَرَبَ الذين هم أهلُ البلاغةِ والفصاحةِ، وأعجَزَهم، فانْقَطَعَتْ الأَطْمَاعُ عن المُعارَضَةِ، وَخَرَسَت الأَلْسُنُ عن دَعْوى المُداناةِ، ولم تحدِّثْ نَفْسٌ صاحِبَها أَنْ يَتَصَدَّى?، ولم يَدُرْ بخَلَدٍ أَنَّ الإِتيانَ بمثلِه ممكِنٌ، وحتَّى كان يأْسُهم منه، وإِحساسُهم بِالعَجْزِ عنه في بَعْضِه مثلَ ذلك في كُلِّه، إذا ما أثبتنا هذا فقد أثبتنا نبوَّةَ محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

قبل الشُّروعِ في إثباتِ هذا، نبتديءُ أولاً بتعريفِ المعجزةِ وتقريرِها، وتصويرِها في الأذهانِ، ثم نصيرُ بعد ذلك إلى إثبات إعجاز القرآن، فنقولُ:

عُرِّفت المعجزةُ، بأنها الأمرُ الخارقُ لِلعادةِ، يُظهِرُه اللهُ على يَدِ مُدَّعي النُّبُوَّةِ على وجهٍ يُبَيِّنُ صدقَ دعواه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير