تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وبهذا يتبين أن المقصود بالأمر هو قوله تعالى:? فَانْصَبْ ?. أما قوله:? فَإِذَا فَرَغْتَ ? فتمهيد وإفادة لإِيلاءِ العمل بعمل آخر في تقرير الدين ونفع الأمة. وهذا من صيغ الدلالة على تعاقب الأعمال، ومثله قول القائل: ما تأتيني من فلان صلة إلا أعقبَتْها أخرى؛ ولهذا قدِّم قوله:? فَرَغْتَ ? على قوله:? فَانْصَبْ ?.

وجيء بالفاء الرابطة؛ لتدل على أن ما بعدها واجب الوقوع، عقب وقوع الشرط مباشرة. وعليه يكون قوله تعالى:? فَانْصَبْ ? أمرًا بإحداث الفعل فورًا، بعد حدوث الشرط من دون أي تأخير.

ثم أمره تعالى بأن يرغب إلى ربه وحده، فقال سبحانه:

?وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ?

أي: اصرف وجوه الرغبات إلى ربك وحده، لا إلى سواه، ولا تسأل إلا فضله متوكلاً عليه.

وقوله تعالى:? فَارْغَبْ? هو من الرَّغْبَة. والرَّغبة هي السَّعة في الإرادة. قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام:

?وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً ? (الأنبياء: 90)

أي: رغبًا في رحمتنا، ورهبًا من عذابنا.

فإذا قيل: رغب فيه، وإليه، اقتضي الحرص عليه. قال تعالى:

? إِنَّا إِلَى اللّهِ رَاغِبُونَ ? (التوبة: 59)

وعلى هذا يحمل قوله تعالى هنا:?وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ?، تشبيهًا بسير السائر إلى من عنده حاجته؛ كما قال تعالى عن إبراهيم عليه السلام:

? إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ ? (الصافات: 99)

وإذا قيل: رغب عنه، اقتضى صرْف الرّغبة عنه، والزهد فيه؛ نحو قوله تعالى:

? أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ ? (مريم:46)، وقوله تعالى:

?وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ ? (النساء: 127)

فالت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها:” وترغبون عن أن تنكحوهن“.

وقدم قوله تعالى:? إِلَى رَبِّكَ ? على قوله:? فَارْغَبْ ?، لإفادة معنى الاختصاص. أي: لتكن رغبتك إلى ربك، لا إلى غيره؛ فإن صفة الرسالة أعظم صفات الخلق، فلا يليق بصاحبها أن يرغب إلى غير الرب جل وعلا، الذي وعده في سورة الضحى أن يعطيه، حتى يرضى:

?وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ? (الضحى: 5)

وقد حقق له سبحانه هذا الوعد في هذه السورة، فشرح له صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره، وأعطاه من خير الدنيا والآخرة ما لم يعطه لأحد من قبله، ولا بعده.

ولم تمنع الفاء في قوله تعالى:?فَارْغَبْ ?، من تقديم المعمول:? إِلَى رَبِّكَ ?، خلافًا للمشهور من أقوال النحاة؛ ولهذا نجدهم يتكلفون، فيقدرون عاملاّ محذوفًا لقوله:? فَارْغَبْ ?، فيقولون: تقدير الكلام: وارغب إلى ربك، فارغب إليه. أو: وارغب إلى ربك، فارغبه.

والذي ألجأهم إلى هذا التكلف في التأويل والتقدير ما اصطلحوا عليه من أن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها، والذي عليه أهل التحقيق خلاف ذلك .. والله تعالى أعلم!

وهنا تنتهي السورة الكريمة، وقد تركت في النفس شعورين ممتزجين: شعور بعظمة الودِّ الحبيب الجليل، الذي ينسم على روح الرسول صلى الله عليه وسلم من ربه الودود الرحيم. وشعور بالعطف على شخصه صلى الله عليه وسلم، ونحن نكاد نلمس ما كان يساور قلبه الكريم في هذه الآونة، التي اقتضت ذلك الود الجميل، وعنه عليه الصلاة والسلام أنه قال:” مَنْ قرأَ ألمْ نشرحْ، فكأنَّما جاءَنِي، وأنَا مُغْتمٌّ، ففرَّجَ عَنِّي “.

منقول للافادة

الأستاذة: رفاه محمد علي زيتوني

صلي علي الرسول:=

ـ[القعيب]ــــــــ[19 - 03 - 2010, 12:49 ص]ـ

اللهم صلِّ وسلم على نبينا محمد

شكرا جزيلا على هذه المقالة الماتعة

أفدت الكثير منها

بوركتم

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير