ذكرنا أن من أحكام الخبر أن يكون مطابقا للمبتدأ، ولكن وردت بعض الآيات القرآنية قد توهم بعض الدارسين أنها مخالفة لهذا الحكم، أعني عدم المطابقة، غير أنه إذا ما أمعنا فيها النظر نجد المطابقة قائمة بين المبتدأ وخبره.
1 ـ من حيث الإفراد والتثنية والجمع:
أ ـ إفراد المبتدأ لفظا وجمع الخبر:
نحو قوله تعالى: (تلك أمانيهم) 3.
فتلك مبتدأ مفرد، وأمانيهم خبر جمع تكسير مفرده أمنية.
والتخريج على النحو التالي: أفرد المبتدأ لفظا، لأنه كناية عن المقالة، والمقالة مصدر يصلح للقليل والكثير، فأريد بها الكثير باعتبار القائلين، ولذلك جمع الخبر، فتمت المطابقة من حيث المعنى في الجمع.
ب ـ جمع المبتدأ وإفراد الخبر على المعنى:
نحو قوله تعالى: (هن أم الكتاب) 1.
هن: ضمير جماعة النسوة مبتدأ، وأم خبر مفرد.
التخريج: أن جميع الآيات بمنزلة آية واحدة، فأفرد الخبر على المعنى.
ويجوز أن يكون المعنى: كل منهن أم الكتاب، نحو قوله تعالى:
(فاجلدوهم ثمانين جلدة) 2.
أي: فاجلدوا كل واحد منهم.
2 ـ من حيث التذكير والتأنيث:
يجب مطابقة الخبر للمبتدأ من حيث التذكير والتأنيث، ولكن قد نرى في بعض الآيات مخالفة، وهذه المخالفة لها تخريج لتتم المطابقة.
نحو قوله تعالى: (فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي) 3.
هذا: اسم إشارة للمفرد المذكر في محل رفع مبتدأ.
ربي: خبر مفرد مذكر.
غير أن " هذا " عائد على الشمس، والشمس مؤنث مجازي، وهنا عدم المطابقة بين المبتدأ العائد على مؤنث ن وبين الخبر المذكر.
التخريج: جاء المبتدأ مذكرا مع أنه عائد على مؤنث على اعتبار وجود حذف،
والتقدير: هذوقيل أن الشمس هنا بمعنى الضياء، والضياء مذكر فتمت المطابقة.
وقيل جعل المبتدأ مثل الخبر ـ أي متطابقان في التذكير ـ لكونهما عبارة عن شيء واحد نحو قولنا: ما جاءت حاجتك.
وكان اختيار هذه الطريقة لصيانة الرب عن شبهة التأنيث، فقالوا في صفة الله: علام الغيوب، ولم يقولوا علامة، وإن كان علامة أبلغ، وذلك احترازا من علامة التأنيث.
ومنه قوله تعالى: (فذانك برهانان من ربك) 1.
فذانك: مبتدأ، وهو اسم إشارة للمثنى المذكر، ولكنه جاء هنا إشارة إلى العصا واليد وهما مؤنثان.
والتخريج: أن تذكيره جاء ليطابق تذكير الخبر.
8 ـ إذا كان ظرف الزمان نكرة، وأخبر به عن المصدر فإنه يجوز فيه الرفع، والنصب، سواء كان الحدث مستغرقا للزمان، أو غير مستغرق. (2)
نحو قوله تعالى: (الحج أشهر معلومات) 3.
فالحج مبتدأ، وأشهر خبر، وفي أحدهما محذوف مقدر، فإن قدرت في المبتدأ
قلت اشهر الحج، وإن قدرت في الخبر قلت: حج أشهر.
9 ـ الخبر الجار والمجرور، والخبر الظرف بنوعيه، في الحقيقة ليس هو الخبر، وإنما هو متعلق بمحذوف في محل رفع خبر، وتقدير المحذوف:
كائن، أو مستقر، والضمير المستتر فيه انتقل إلى الجار والمجرور، أو الظرف.
كقول جميل بثينة:
فإن يك جثماني بأرض سواكم فإن فؤادي عندك الدهرَ أجمعُ
الشاهد فيه قوله: " أجمع " بالرفع، وهو من ألفاظ التوكيد المعنوي، ولكنه لا يصلح أن ا المرئي.
يكون توكيدا لأي من فؤادي، أو عندك، أو الدهر لأن كل واحد منها منصوب، والمرفوع لا يصلح أن يكون توكيدا للمنصوب، ولا يصلح أن يكون توكيدا لمحذوف، لأن التوكيد ينافي الحذف، فلم يبق إلا أن يكون توكيدا لضمير مستكن في الظرف الواقع متعلقه خبرا، لأن هذا الضمير مرفوع على الفاعلية، فدل ذلك على أن الضمير الذي كان مستكنا في المتعلق الواقع خبرا قد انتقل من هذا المتعلق إلى الظرف فاستكن فيه.
10 ـ ذكرنا في موضعه أن ظرف الزمان يصلح أن يقع خبرا عن المبتدأ المعنى فقط، ونضيف أن يكون ذلك مشروطا، وهذا الشرط هو تحقيق الإفادة، بمعنى أن يكون الزمن خاصا.
نحو: الحفل ليلة الخميس. والسفر يوم الجمعة. والعطلة بعد ظهر الأربعاء.
وألا يكون الزمن عامَّا لعدم الإفادة. نحو: السفر حينا. والرحلة دهرا.
كما أن ظرف الزمان لا يصلح أن يكون خبرا عن الذات " الشيء المحسوس " إلا قليلا، وذلك حين تتم الفائدة، ولتمام الفائدة شروط هي:
أ ـ أن يتخصص ظرف الزمان بنعت.
نحو: نحن في يوم شديد الحرارة.
أو يتخصص بعلمية. نحو: نحن في رمضان.
¥