ويصنف النحاة الضرورة إلى حسنة وقبيحة، فالحسنة عندهم ما لا تستهجن، ولا تستوحش منه النفس، كصرف ما لا ينصرف، وقصر الممدود، وحذف ياء فعاليل، وغيرها.
أما المستقبحة ما تستوحش منه النفس، كالأسماء المعدولة عن وضعها الأصلي، بتغيير ما، كالزيادة، والنقصان. انظر الضرائر 15.
وقد قسمها النحاة إلى عدة تقسيمات، فالسيرافي في كتابه (مايحتمل الشعر من الضرورة) قسمها إلى: زيادة، ونقصان، وحذف، وتقديم، وتأخير، وإبدال، وتغيير وجه من الإعراب إلى وجه آخر على طريق التشبيه، وتأنيث المذكر، وتذكير المؤنث.
أما ابن عصفور فقسمها في كتابه (شرح جمل الزجاجي) إلى: زيادة، ونقص، وتقديم، وتأخير، والبدل.
أما الألوسي فجمعها في ثلاث: ضرورة الزيادة، وضرورة الحذف، وضرورة التغيير.
والضرائر سماعية، لا يجوز للمحدث أن يستحدث ضرورة جديدة، ويجوز القياس على ضرورات القدماء كما نص ابن جني في خصائصه عن أستاذه أبي علي الفارسي.
وابن عصفور في شرح جمل الزجاجي، يجعل من الضرورات ما هو قياسي جائز، وما هو غير جائز، في كل قسم قسمه فيما سبق ذكره.
وقد توافق الضرورة الشعرية بعض لغات العرب (في نثرهم وشعرهم)، فيصبح الحكم النحوي ليس ضرورة، بل شاذ، قال أبو سعيد القرشي في أرجوزته في فن الضرائر:
وربما تصادف الضرورة ** بعض لغات العرب المشهورة
ينظر الضرائر 24.
وقد بين الأستاذ فتحي الدجني في كتابه ظاهرة الشذوذ في النحوي العربي ذلك، فذكر أنه كل ماشذّ في الشعر، ولم يرد فيه كلام منثور يسمى ضرورة، اما إذا ورد فيه كلام منثور فهو شاذ، فهذا البغدادي صاحب خزانة الأدب (عقّب على قول الشاعر:
وقد بعدت بالوصل بيني وبينها ... بلى إن من زار القبور ليبعدا
ذاكرا أن بعض النحاة زعم ان بلى تستعمل بعد الإيجاب كما في البيت، وهو شاذ عندهم، لأن القياس أن يقول: نعم.
ولم يقولوا ضرورة لأنه جاء مثله في الحديث الصحيح.
أخرج البخاري في صحيحه ن عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قالوا: بلى.) نقلا من السابق 42، الذي نقله من خزانة الأدب للبغدادي.
كذلك في رده على الرضي، فحينما ذكر الرضي أن المبرد يرى أن (حتى) تجر الضمير، ذكر أن الجر بها خاص بالظاهر خلافا للمبرد الذي ذكر قول الشاعر:
فلا والله لا يلفي أناسُ ** فتًى حتّاكَ يابن أبي يزيدِ
أن هذا البيت شاذ.
أما البغدادي فقال أن الأحسن أن يقول ضرورة، فإنه لم يرد في كلام ٍ منثور. انظر السابق 43،وهو نقل من خزانة الأدب.
هذا وقد تختلف أحكام النحاة المتقدمين عن المتأخرين، لاختلاف السماع عندهم، فقد يحكم نحوي على بيت بالضرورة لأنه لم يسمع بالنثر مثيله، وقد يأتي نحوي بعده فيسمع أو يطلع على مثيله في النثر بحكم تأخره عن النحوي، فيذكر أن البيت شاذ وليس بضرورة، فمن ذلك دخول لام الابتداء على الخبر في قول الشاعر:
أمُ الحُليسِ لعجوزٌ شهر به ** ترضى من اللحمِ بعظمِ الرقبه
فحكم ابن جني وابن عصفور على البيت بالضرورة، أما ابن عقيل والرضي اعتبراه شاذ. 44 السابق.
هذا وقد يطول الحديث أكثر لكن تكتفي بما ذكر، ولنعد إلى الموضوع.
ثانيا: أخي الكريم شاكر، أما قولك - رعاك الله – "لم يرد فيما تناقلته المصادر الأدبية (قديمها وحديثها) أن جزم الفعل المضارع بلا جازم من الضرورة، وليس في شعر العرب من ذلك شيء " فعجيب!!!
إذ هذا يتطلب منك أولا ذكر المصادر التي استقت منها هذا الكلام، أما وإن تطلق الكلام جزافا، من غير دليل، ولا يعرف السبيل، فلا نسمح به بتاتا، فمن فقد الدليل ضلّ السبيل.
¥