ثم إني أودّ أن أعرف ماذا تقصد بالكتب الأدبية؟؟ هل الدواوين؟ أم أمهات الكتب كالبيان والتبيين، العقد الفريد، والأغاني، والشعر والشعراء، وطبقات فحول الشعراء .... ، أم كتب النقد القديمة والحديثة؟ أظنك تقصد الكتب النحوية لذا سأجيبك لأن النحاة هم من استفاض بالحديث عن الضرورة الشعرية وفصّلوا بها أكثر من غيرهم، وأول من تحدث بها، كسيبويه، وابن جني، والسيرافي، وابن عصفور، وغيرهم، فالنحوي قديما ناقد، وأديب، ولغوي، أما ما يتحدث به الأديب مستندا على أقواله، وما حوته كتب الأدب معتمدة عليها أيضا فيؤخذ منه.
انتبه أخي الكريم، السكون علامة الجزم الأصلية، والفعل المضارع إذا سكّن فهو دليل على جزمه، قال سيبويه بعد أن كر مجموعة من الشواهد سلبت فيها حركة الإعراب، واكتفي بالسكون:" شبهوا هذه الضمات والكسرات المحذوفة بالضمة من (عضُد)، والكسرة من (فخِذ) حين قالوا: عضْد، وفخْذ، غير أن حذفها من (عضد وفخذ) حسن مطّرد في الشعر والكلام جميعا، من قبل أنه لا يزيل معنى، ولا يغير إعرابا، وفيما ذكرناه يزول الإعراب الذي تنعقد المعاني، إلا أنه شبه اللفظ باللفظ" انظر ما يحتمل الشعر من الضرورة، للسيرافي، تحقيق عوض القوزي، ط3، 1993م، دار المعارف، السعودية، ص144، نقله السيرافي من الكتاب بتصرف.
فمن هذه الأبيات قول امرؤ القيس:
فاليومَ أشربْ غير مستحقبٍ **إثما من الله ولا واغلِ
قلت: عدّ سيبويه تسكين الفعل (أشربْ) إزالة للإعراب (وهو من حالة الرفع إلى حالة الجزم)، وقد عدّ السيرافي ذلك من الضرورة، ونص قائلا: ومن ذلك حذف الضمة والكسرة في الإعراب. السابق 138.
وقال في صفحة أخرى بعد أن عرض رأي المبرد الذي ينكر ذلك ويأباه (أي تسكين حركة الإعراب)، ويروي الأبيات بروايات أخرى:" والقول عندي ماقاله سيبويه في جواز تسكين حركة الإعراب للضرورة ". السابق144.
ونقل الألوسي في باب (إجراء المرفوع مجرى المجزوم) في كتابه الضرائر، والذي يعد بطبيعة الحال ذا منها قول ابن عصفورفي كتابه أيضا الضرائر:" ومن الضرورة حذف علامتي الإعراب الضمة، والكسرة من الحرف الصحيح تخفيفا " ثم ذكر بيت امرئ القيس السابق، " إلى أن قال وأنكر المبرد والزجاجي التسكين في جميع ذلك لما فيه من إذهاب حركة الإعراب وهي لمعنى ... " ص192.
قلت أليس الجزم بإعراب يا أخي شاكر؟؟
وقال ابن عصفور في كتابه شرح جمل الزجاجي في باب ما يجزم من الجوابات:" وأما ما ورد في الحديث من حملهم (لاتشرفْ يصبك سهم) فإنه من تسكين المرفوع الذي لايجوز إلا ضرورة أو في قليل من الكلام نحو قول امرئ القيس " ثم ساق البيت الذي ذكرناه. ينظر شرح جمل الزجاجي، تحقيق فواز الشعار، ط1، 1998م، دار الكتب العلمية، بيروت، 2/ 308.
كذلك ساق نفس البيت في نفس الكتاب في الجزء الثالث، باب (مايجوز للشاعر أن يستعمله في ضرورة الشعر) وعد ذلك من ضرورة الحذف. 3/ 202.
ومثله من المعاصرين وهو الأستاذ محمد حماسة في كتابه (العلامة الإعرابية في الجملة بين القديم والحديث)، حينما عد ذلك مما تسلب فيه العلامة من أجل ضرورة الشعر (الوزن)، فبين عددا من المواضع التي تعد ضرورة منها تحت رقم (6) جزم الفعل الصحيح الآخر في غير موضع الجزم، وساق بيت امرئ القيس، وعدة أبيات منها:
قول لبيد:
ترّاك أمكنةٍ إذا لم أرضها ** أو يرتبطْ بعض النفوس حمامها
الشاهد تسكين (يرتبط) لأنه منصوب بأن بعد (أو) التي بمعنى إلى أن، وليس معطوفا على السابق، لأن المعنى لا يحتمل.
وقول جرير: سيروا بني العم فالأهوازُ منزلكم **ونهر تيرى فلا تعرفْكم العربُ
بجزم (تعرفكم).
وقول امرئ القيس:
وناعٍ يخبرْنا بمهلك سيّدٍ ** تقطّعُ من وجدٍ عليه الأناملُ
بتسكين (يخبرنا).
وقول الراعي:
تأبى قضاعةُ أن تعرفْ لكم نسبا ** وابنا نزارٍ فأنتم بيضةُ البلدِ
ينظر العلامة الإعرابية، ط1، 2001م، دار غريب، القاهرة، ص393، هذا وللمؤلف كتاب بعنوان الضرورة الشعرية في النحو العربي، لم يقع بيدي.
وغيرها كثير من الشواهد التي أنكرت.، والتي ادعيت أنه ليس من شعر العرب شيء منها. فهل يصح هذا الكلام؟؟ أنصح نفسي وإياك بالتثبت قبل إصدار حرف واحد في مسألة ما.
¥