تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إذن يطيب لي أن أسألك الآن: ما الفرق بين رأيت زيدًا، ورأيت الحق نورًا والصدق برهانًا؟ رأى الأولى رؤية عين، ورأى الثانية رؤيا قلب. ورؤيا القلب: يترتب عليها أن الفعل ينصب مفعولين، أما رؤية العين فالفعل فيها ينصب مفعولًا واحدًا. هكذا عرفنا وعلمنا بأن هناك وجه شبهٍ لا يختلف فيها عالمان بين ظن وفاعلها، وبين ضرب وفاعلها، في أن عندنا عاملًا ومعمولًا، ويقول سيبويه: وأعطيت في الإعمال والبناء على الأول، أي: أن الجملة فعلية في الخبر، والاستفهام، وفي كل شيءٍ، وذلك قولك: أظن زيدًا منطلقًا؛ إذن ما الفرق بين أظن زيدًا منطلقًا، وضربت زيدًا؟ أو فرق واحد نلحظه جميعًا، وهو وجود مفعول زائد في جملة وظننت، أو أظن زيدًا منطلقًا، لكن ضربت زيد ليس فيه إلا مفعول واحد، لكن الجملة فعلية، والجملة ضربت زيدًا عمل فيها ضرب في التاء، وفي زيدًا أي: أنه رفع الفاعل، ونصب المفعول به.

وأمّا أظن وقد حرص سيبويه -عليه رحمة الله- أن يأتي بالمضارع بعد إذ أتى بالماضي حين بدأ بابه، قال: ظننت وحين مثًّل قال: أظن. وكأن سيبويه يفسر كلامه كلامه، أي: أنه ذكر الماضي ثم نبهنا إلى شيءٍ ربما يفوتنا، وهو أن هذه الأفعال تعمل هنا وما يتصرف منها، فجاء بما يتصرف منها أي بالمضارع فقال: أظن زيدًا منطلقًا، وأظن عمرو زاهدًا وسبحان الله كأن الرجل في سهولةٍ -إن شاء الله- نحن بالغوها، حين يفسر منطلقًا، كأن سائلًا سأله يا سيبويه ما معنى منطلقًا، فجاء بمعناها في المثال بعده، وقال وأظن عمرو ذاهبًا، فكأن معنى منطلقًا ذاهبًا، أتى بالمثالين عليه -رحمة الله تعالى- أتى بالفعلين أظن على شاكلةٍ واحدةٍ، هي: المضارع وفي الجملة الأولى قال: زيد منطلقًا، وفي الجملة الثانية قال: عمرو ذاهبًا، كأنه فسر كلمة منطلقًا بكلمة ذاهبًا.

وقال: وزيدًا أظن أخاك ها هنا، اختلف التركيب كيف اختلف التركيب؟

سيبويه حين قال: أظن زيدًا منطلقًا، ما إعراب هذه الجملة؟ إعرابها أظنه مضارع مرفوع علامة رفعه الضمة الظاهرة، والفاعل مستتر تقديره أنا، وزيدًا مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، ومنطلقًا مفعول به ثانٍ علامة نصبه الفتحة الظاهرة.

ما إعراب زيدًا أظن أخاك؟ ما وجه الخلاف بين هذه الجملة وبين الجملتين اللتين قبلها؟

لا خلاف في أن الفعل أظن موجود, وأن زيدًا موجود وأن أخاك على هذه الهيئة التي تعرفونها في نصب كلمة أخ، وهي من الأسماء الستة، وإن كان الأفصح في الهن النقصَ، هكذا أخاك، كل الذي حدث أن سيبويه عليه رحمة الله وسط أظن، ومعنى وسطها أي: جعلها وسطً بين ماذا وماذا؟ وسطًا بين زيدًا -طبعًا تلاحظون أن كلمة زيدًا على الحكاية، وإلا قلت: بين زيدٍ- وبين أخاك، فجاء التركيب هكذا: زيدًا أظن أخاك.

النحو أساسه الإعراب، فكيف تعرب هذه الجملة؟

تقول: زيدًا مفعول به لأظن، وأظن مضارع مرفوع، والفاعل مستتر تقديره أنا, وأخاك مفعول به ثان، الملاحظ هنا أن الفعل أظن الذي هو متصرف من ظن -كما قال سيبويه- قد عمل، عمل فرفع الفاعل وهو مستتر فيه, ونصب المفعولين, والمفعول الأول وهو كلمة زيدًا تقدّم عليه, والمفعول الثاني قد تأخّر, فالفعل العامل متوسط بين معموليه, كذلك يقول سيبويه، وعمرو زعمت أباك ألله في هذا التركيب الأصل فيه زعمت عمرو أباك، وتقدم عمرو وتوسط زعم وجاء بفاعله، فصار عمرو مفعولًا به أولًا، وصار أباك مفعولًا به ثان منصوبًا بالألف، لأنه من الأسماء الستة، والكاف مضاف إليه مبني في محل جر؛ لأن المضاف إليه مجرور كما هو معلوم، وتقول: زيد أظنه ذاهبًا، قال الإمام ومن قال: عبد الله ضربته نصب، فقال عبد الله أظنه ذاهبًا، وتقول: أظن عمرو منطلقًا، وبكرًا خارجًا، كما قلتَ ضربت زيدًا وعمرو كلمته، وإن شئت رفعت على الرفع في هذا، معنى هذا أن سيبويه يريد أن يقول لنا في مثل قولنا: زيد أظنه ذاهبًا، نبهنا على الاشتغال، وأجاز لنا أن نقول زيدًا أظنه ذاهبًا، وسوف يفسر لنا هذا الضمير في موضعٍ آخر في محاضرةٍ قادمةٍ -إن شاء الله تعالى.

لكنه قال وتقول زيد أظنه ذاهبًا، ومن قالك عبد الله ضربته نصب. نصب ماذا؟ نصب كلمة زيد الأصل الرفع زيد لانه مرفوع على الابتداء يعني هو مبتدأ مرفوع لكن النصب فيه جائز ولو ولي أداةً مختصةً بالدخول على الفعل كما درستم في باب الاشتغال، زيد أظنه ذاهبًا، من قال عبد الله ضربته، قال زيدًا أظنه ذاهبًا.

يريد سيبويه أن يقول: ومن نصب المبتدأ على الاشتغال فجعله مفعولًا به لفعلٍ محذوفٍ يفسره المذكور، كذلك نصب فقال: زيدًا أظنه ذاهبًا، ثم يقول الإمام: وتقول أظن عمرو منطلقًا، بدأ بالفعل أظن، والفاعل مستتر كما تعرفون، وعمرو مفعول به أولًا منصوب بالفتحة الظاهرة، ومنطلقًا مفعول به ثان منصوب بالفتحة الظاهرة، كذلك وبكرًا أظنه خارجًا، كأنه -رحمه الله- يريد أن يدربنا على توسط الأفعال من ظن وأخواتها، فيأتي مرةً بالفعل مبتدءًا به، فيقول: أظن عمرو مبتدءًا، وبكرًا أظنه خارجًًا، كما قلت: ضربت زيدًا، وعمرو كلًّمته، وإن شئت رفعت، يعني قلت: عمرو كلمته، كما قلت لك في أن الأصل الرفع على الابتداء، لكنك نصبت بفعلٍ محذوفٍ يفسره المذكور كما اتفقنا.

ضرب سيبويه لنا أمثلةً متعددةً على الاستعمال ويجب أن نتذكر أن بابه في الأفعال التي تستعمل وتلغى إذن بقي أن يذكرها ملغاةً.

وللحديث تتمه

إشراقه:

إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس فتذكر قدرت الله عليك.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير