تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فإنْ تزعميني كنتُ أجهل فيكمُ فإني شَرَيتُ الحِلم بعدكِ بالجهل

والبيت من بحر الطويل -كما تعلمون-: فإنْ تَزْ/عميني كنْ/تُ أجهَ/لُ فيكمُ/ مفاعيلُ/ مقبوضة، أي: حُذِفَ الخامس الساكن منها، وهو حقّها -تعلمون- أن "مفاعيلن" في الطويل -وهي عروضه الوحيدة- تكون مقبوضةً وجوبًا، وربّما تأتي سالمةً من القبض عند التصريع.

فإنني/ فعولن/ شريتُ لحل/ مفاعيلن/ مَ بعدَ/ فعول "مقبوضة"/ كِ بلجهلِ/ كِ بلجهل/ مفاعيلن.

الشاهدُ فيه -كما ذكر الإمام- نحويًّا، عَرفنا أن بحره الطويل، وأن عروضه مقبوضةٌ "بعدك"، الضرب كذلك من أول الكاف "كِ بالجهل/ كِ بالجهل" صحيحة، يعني الضرب صحيح والعروض مقبوضة، نقول هكذا: العروض مقبوضة وجوبًا والضرب صحيح.

فإنْ تزعميني كنتُ أجهل فيكمُ فإني شَرَيتُ الحِلم بعدكِ بالجهل

يطيب لنا أن نذكر في معناه -وقد بيّنّا بحره-: أن الشاعر يخاطب امرأته فيقول: فإن تزعميني كنت جاهلًا فيكم أيام الوصال، فلستُ الآن بعد الوداع بجاهل، وإنما شتريت الحلم بعدك بالجهل، أي: أن الأمر صار على غير ما يُرام، وأصبح الفراق مؤثرًا في حياتي وفي وجودي.

فإن تزعميني، وتزعمين وتكتبين، لا بد أن نعلم أن إعرابه بأن: "إن" شرطية، و"تزعمين" فعل مضارع، ربما يكون طالب نحوٍ: إنه مرفوع بثبوت النون، نقول له: وكيف يكون مرفوعًا وهو شرط، وشرط لـ"إن" و"إن" جازمة، فنقول: إن النون للوقاية، والياء مفعول لـ"تزعم" و"تزعم" كما تعلمون متصرِّف من "زعم" كـ"حسِب" وكـ"خال" من الأفعال التي عَنْوَنَ لها سيبويه بأنّها أفعال تستعمَل وتُلغى، وجاء مضارعًا "عَمِلَ" وأوّل ما عَمِلَ الياء، وهي ياء المخاطبة، وهي فاعل، والياء "فإن تزعميني" الياء مفعوله الأول، و"كنت أجهل فيكم" كان واسمها، وهو التاء، وخبرها الجملة الفعليّة، يعني "أجهل" مضارع مرفوع علامة رفعه الضمة الظاهرة، والفاعل مستتر تقديره أنا، وجملة "أجهل" في محل نصبٍ خبر كان، وكان واسمها وخبرها استغنيَ بها عن المفعول الثاني، المهم أنها جاءت عاملةً كما قال سيبويه.

وذكر -رحمةُ الله عليه- قول النابغة الجعدي؛ حيث قال:

عددتَ قشيرًا إذ عددتَ فلم أُسأ .......................

عَدَدْتَ/ فعولُ/قُشَيْرن إذ/ مفاعيلن/ عَدَدْتَ/ فعولُ/ فَلَمْ أُسَأْ/ مفاعيلن/ مضبوطة. بِذَاكَ/ فَعُولُ/ وَلَمْ أَزْعُمْ/ مَفَاعِيلُن/ كَـ عَنْ ذَا/ فعولن/ كَمَعْزِلِا/ مَفَاعلُنْ/ الضرب جاء مقبوضًا كالعروض.

وكأن سيبويه يريد أن يأخذ بأيديكم إلى علم العروض، فذكر في الشاهد الأول "فإن تزعميني" -وهو من الطويل- العروض المقبوضة، وذكر الضرب صحيحًا، ثم ذكر بيتَ النابغة -وهو من الطويل- وعروضه مقبوضة وجوبًا -وهذا حقّها- والضرب مقبوض كالعروض. سبحان الله! لم يبقَ من البحر كله إلا ضرب واحد هو المحذوف، وبهذا يكون العروض قد تمّ في بحر الطويل.

عددتَ قشيرًا إذ عددتَ فلم أُسأ .......................

إن معنى البيت لطيفٌ مؤثِّرٌ جميلٌ يتعلّم الإنسانُ منه، فقد قال النابغة لمن يخاطبه: لقد عددتَ قشيرًا، يعني ذكره في النبلاء وذكر قشيرًا في العظماء، وصدق الله العظيم إذ يقول في آية البقرة: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} (البقرة: من الآية: 200) كانوا يذكرون أبناءهم ويقولون: فعلوا كذا، وصنعوا كذا، ولهم أمجاد كذا، وغزوات كذا، وأيام كذا ... وهكذا، فقال الله تعالى: {كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} هو يقول لهم: لقد عددتَ قشيرًا إذ عددتَ، وكأنَّ المعدود هو المعتبَر، وكأن المتروك عند العدّ مهمَل لا يأبه به الشاعر ولا يهتمَ، هو يقول له: أنت ذكرتَ قشيرًا إذ عددتَ، فلم أُسأ أنا، وما الذي يسيئني، فلم أُسأ بذاك يعني: بعدك قشيرًا، ولم أزعمك عن ذاك مَعْزِلَا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير