تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هذا الجزء -من الصفحة الثانية والعشرين بعد المائة الأولى- من الجزء الأول من (كتاب) سيبويه جزء مهم؛ لأن الرجل هذا أسلوبه، يذكرك بما مضى، ويذكر شيئًا مما يعدك به مما سيأتي، ويشرح لك درسًا في درس، وهذا؛ لأنه كان في زمانٍ متقدم، وكما قال لنا شيوخنا لم يكن هناك منهج للتأليف، ولا التزام بخطة بحثٍ، وإنما يكون هناك استطراد، وهو -إن شاء الله- نافع، لماذا؟

لأنك تدرس في هذا باب "ما" الحجازية، وأنت في الأصل تدرس باب "ظن" وأخواتها من حيث الإعمال، ومن حيث الإلغاء، فيأتيك بأن يقول: لك وتأتي "قال" بمعنى "أظن"، ثم يستطرد ويقول: كما جاءت "ما" بمعنى "ليس" ولكنَّ "ما" لا تكون على معنى ليس دائمًا؛ إذ إن هناك شروطًا ألّا يتقدّم الخبر، ولا تكون منتقضًا نفيها بإلَّا أشار إلى ذلك سيبويه، أنت تقول ما هذا رجلًا، هذا أسلوب يستقيم على لغة الحجاز، ما هذا على نحو قولك: {مَا هَذَا بَشَرًا} (يوسف: 31) لكن إن قلت ما هذا إلا بشر، فكيف تضبط كلمة "بشر" تقول: ما هذا إلا بشر لو وقفت قلت ما هذا بشر؛ لأنك تقف على المنون المرفوع بالسكون تقول: ما هذا إلا بشر، لماذا لم تقل: ما هذا إلاَّ بشرًا؟ لأن الإعمال كما قال سيبويه قد توقف.

ولماذا يقول الإمام: توقف الإعمال -إعمال "ما" على لغة الحجازيين إعمال "ليس"- لأن نفيها قد صار منتقضًا بإلَّا، حين أقول: ما هذا رجلًا، هذا صحيح، فإذا زدت إلاَّ فقلت: ما هذا إلا، لا أستطيع أن أقول رجلًا, وإنما أقول ما هذا إلا رجل، كأني قلت هذا رجل، هو -رحمه الله- يذكرنا بأن اللغة لم يقل أهملت، وإنما قال: صارت اللغة تميمية، ينبهنا بأن بني تميم لا يعملون ما، لا بشروط ولا بدون شروط، وإنما يعملها الحجازيون ووضعوا لها شروطًا، فإذن يريد سيبويه هنا أن يذكر لنا شيئًا خطيرًا: ما هو؟ يريد أن يقول إن وضع الشروط في "ما"؛ لبيان الفرق بين ما يعمل بالأصالة وبين ما يعمل بالحمل، ما معنى هذا؟ معناه أنَّ "ليس" ترفع المبتدأ وتنصب الخبر أصالة، لكن "ما" ترفع المبتدأ وتنصب الخبر بالحمل على "ليس"، فالمحمول عليه أصيل والمحمول فرع عن هذا الأصيل، ولا يستوي الفرع والأصل، -ألم أقل لحضراتكم إن اللغة تمثل حياة أهلها أتستوي أنت وأبوك- ألم يقل النبي -صلى الله عليه وسلم- في رجل خطب فقال ومن يعصهما ((بئس الخطيب أنت أمتساويان!)) أيتساوى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالله -عز وجل- قل: ومن يعصِ الله ورسوله، ولا تقل ومن يعصهما، فكأنك إذا قلت: "ومن يعصهما" قد جمعت وسويتهما، ليسا متساويين.

يريد سيبويه أن يذكرنا بذلك كله فيقول: اعلم أن "قال" ليست في جميع الأحوال مثل "ظن"، وأحب أن أنبِّه حضراتكم في أنه سأل شيخه أبا الخطاب وقال -عليه رحمة الله- عبارة نذكرها نحفظها ولا ننساها وقد سألته غير مرة -عليهم رحمة الله-: سألته -أي أبا الخطاب شيخ سيبويه سأل شيخه- غير مرة -أي كثيرًا ما سأله- عن قول الحق بظن. فقال له أبو الخطاب: اعلم أن من العرب الذين يوثق بعربيتهم من يعملون القول كالظن أبدًا كأن شيخ سيبويه يقول له ليست هناك مباعدة بين القول والظن، فكل قال كأنها ظن وكل يقول كأنه يظن وكأنك حيثما وجدت، قال وجدت ظن. أشار إلى ذلك سيبويه في (الكتاب) وقال: إن بني سليم من الذين يوثق بعربيتهم. هؤلاء ماذا فعلوا؟ جعلوا القول كالظن تمامًا بتمام.

ثم يقول: متى تقول زيدًا منطلقًا؟ لعلك لاحظت الآن أنه أدخل متى، كما أدخل أين على الظن، فهل أثرت كلمة أين على الظن، أم أن سيبويه قال اعلم أن وجودها كعدم وجودها، وأن ما بعدها ابتداء هكذا أيضًا يقول: واعلم أنك تقول متى تقول كأنك قلت متى تظن -سبحان الله- متى تقول زيدًا منطلقًا، وكما أتاني سيبويه بالهمزة وبعدها تظن فقال في مثالٍ سابقٍ: أتظن زيدًا قائمًا، قال هنا كذلك: أتقول عمرًا ذاهبًا؟ في الصفحة الثالثة والعشرين بعد المائة الأولى، يقول: أتقول عمر ذاهبًا، دخلت همزة الاستفهام على جملة القول، والقول مضارع. لماذا أدخل سيبويه الهمزة على الفعل، تقول: ليبين لنا أن الهمزة وهيَ حرف استفهام تدخل على تظن، وكذلك تدخل على تقول؛ لأن تقول بمعنى الظن، سواء على ما ذكره سيبويه هنا أو عن ما ذكره عندما قال: وزعم أبو الخطاب وسألته غير مرة هل يتغير الإعراب مع دخول همزة الاستفهام على الجملة القولية؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير