وأما (إذَنْ) فجوابٌ وجزاءٌ، نحو: أزورك، فتقول: إذنْ أُحْسِنَ إليك، وقد تأتي جواباً فقط، نحو: أجيئك، فتقول: إذنْ أظنُّك صادقاً، وهي ناصبة بنفسها لا بـ (أنْ) مضمرة بعدها على الصحيح. وشَرْطُها أنْ تكونَ مُصَدَّرَةً، والفعلُ بعدها مستقبلٌ، فإنْ كان حالاً لم تعملْ، نحو: إذن أكرمُك الآن، وإنْ لم تَصَدَّرْ، تأخرتْ نحو: أكرمك إذن، أو توسّطتْ، وما / قبلها مفتقرٌ إلى ما بعدها [5أ] كمبتدأ وخبر، نحو: أنا إذن أكرمُك، أو شرطٍ وجوابِه، نحو: إن تأتني إذن أكرمُك، أو قَسَمٍ وجوابِهِ، نحو: والله إذن أُحسنُ إليك، لم تعملْ أيضاً خلافاً التوسّط، وحُكِيَ أنّ بعض العرب لا ينصب بها مطلقاً.
[كي]
وأمّا (كَيْ) فإن دخل عليها حرف الجرّ، نحو: (لكيّ) تعيّن أن تكون ناصبةً بنفسها خلافاً للكوفيّين، وإنْ لم يدخل احتمل أن يكون مقدَّراً، فتكونَ ناصبةً بنفسها، أو لا، فيكونَ النصب بـ (أن) المضمرة بعدها.
النوع الثالث: الجوازم
وهي على قسمين: جازمٍ لفعلٍ واحدٍ، وجازمٍ لفعلين.
والجازم لفعلٍ واحدٍ:
(لَمْ): وقد جاءتْ غيرَ جازمةٍ في الشِّعْرِ، كقوله:
32 - لولا فوارسُ من نُعْمٍ وأسرتُهُمْ
يومَ الصُّلَيْفاءِ لم يُوفُونَ بالجارِ
لنفي ماضٍ منقطعٍ.
و (لما): لنفي ماضٍ متّصلٍ بزمن الحال.
و (اللام): لأمرٍ، أو دعاءٍ.
و (لا): لنهيٍ، أو دعاءٍ.
والجازم لفعلين:
(إنْ)، و (إذما): على مذهب سيبويه، خلافاً للمبرّد في أنّها ظرفُ زمانٍ أضيفَ إليها (ما). ولا تجزم إلا مع (ما) على المشهور.
وقد جزموا بـ (لو) في الشعر، وشاهده:
33 - لو يشأ طارَ به ذو مَيْعَةٍ
لاحِقُ الآطالِ نهدٌ ذو خُصَلْ
وقوله:
34 - لو تَعُذْ حينَ فَرَّ قَوْمُكَ بي
كُنْتَ من الأمْنِ في أعَزِّ مَكانِ
ويتضمّن معنى (إنْ) أسماءٌ، فَتَجْزِمُ، وجملٌ.
فالأسماء على قسمين: ظروف، وغير ظروف.
فغير الظروف: (ما)، و (مهما)، و (أيّ)، إذا لم تضف إلى زمان ولا مكان.
وأمّا (كيف) فلا تجزم عند سيبويه، وأجازه الكوفيون، واستكرهه الخليل.
والظرفُ زمانيّ، وهو: (متى)، و (أيّان)، و (أيّ)، و (حين)، و (إذا)، ولا يُجْزَمُ بها إلا في الشعر خلافاً للكوفيّين في جوازه عندهم مطلقاً.
والمكانيّ: (أنّى)، و (أيّ)، و (حيثما)، و (أيّ مكان).
والجُمَلُ: الأمر، والنهي، والاستفهام، والتمنّي، والتحضيض، والعَرْضُ، والدعاء، فقيل: ضُمِّنَتْ معنى الشَّرْطِ، فَجَزَمَتْ، وقيل: جُمْلَةُ الشَّرْطِ مقدّرةٌ، والفعل مجزومٌ بها، وهذه لم تَجْزِمْ، فإذا قلتَ: قُمْ أكرمْك، فتقديره: إنْ تقْم أكرمْك.
النوع الرابع: الذي يعمل نصباً ورفعاً، وهو صنفان:
أحدهما: الذي ينصب المبتدأ، ويرفع الخبر، وهو:
(إنّ) و (أنّ): ومعناهما التأكيد.
و (ليت): ومعناها التمنّي في المُمْكِنِ وغيرِهِ.
و (لعلّ): ومعناها الترجي في المُمْكِنِ المحبوبِ، والإشفاقُ من المكروهِ، وَزِيدَ في معناها التعليلُ، كقوله تعالى: "قولاً ليّناً لعلّه يتذكّر"، والاستفهامُ، كقوله r لبعض الأنصار: "لعلّنا أعجلناك".
و (كأنّ): ومعناها التشبيه، وقيل: التحقيق، كقوله:
35 - وأصبحَ بطنُ مكّةَ مُقْشَعِراً
كأنَّ الأرضَ ليسَ بها هِشامُ
وهي مُرَكَّبَةٌ من كاف التشبيه و (إنّ)، ثمّ صارا كحرف واحدٍ، فلا تتعلّق [5ب] الكافُ بشيءٍ، ولا ما بعدها في موضعِ جرٍّ بها خلافاً لزاعمه.
و (لكنّ) ومعناها الاستدراك، وهي بسيطةٌ، لا مُركَّبَةٌ، خلافاً لزاعمه.
الصنف الثاني: الذي يرفع المبتدأ، وينصب الخبر، وهو:
(ما)، و (لا)، و (لات)، و (إنْ)، و (ليس) عند من يقول بحرفيتها.
[ما]
فـ (ما) عند الحجازيّين لا التميميّين بشروط ثلاثة:
[أن] يتأخرَ خبرُها عن اسمِها، نحو: ما زيدٌ قائماً، فإنْ تقدّمَ لم تعملْ خلافاً للفرّاء.
وأنْ لا يُفْصَلَ بينها وبين اسمِها بـ (إنْ)، نحو: ما إنْ زيدٌ قائمٌ.
وأجاز الكوفيّون عملها وإن فُصِلَ.
وأنْ لا يكونَ خبرُها مُوْجَباً، نحو: ما زيدٌ إلا قائمٌ، ولم يَعْتَبِرْهُ يونس.
وأعْمَلَها الكوفيّون إذا كان الثاني مُنزَّلاً منزلةَ الأوّلِ، نحو: ما زيدٌ إلا زهيراً شعراً.
[لا]
وأمّا (لا) فشرطُها أيضاً تنكيرُ معمولِها، نحو: لا رجلٌ قائماً، وقيل: لا يُشْتَرَطُ، وشاهده:
36 - وحَلَّتْ سوادَ القلبِ لا أنا باغياً
سِواها ولا في حبِّها مُتراخيا
¥