تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ـ[عمرمبروك]ــــــــ[28 - 08 - 2006, 07:04 ص]ـ

البدل على وجه البداء، والرفع والنصب حملًا على المعنى

قال سيبويه: ويكون على الوجه الآخر الذي أذكره لك، وهو أن يتكلم فيقول: رأيتُ قومك، ثم يبدو له أن يبين ما الذي رأى منهم، فيقول: ثلثيهم أو ناسًًا منهم، هذا الذي نسميه بدل البداء، {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} (يوسف: 35) بدا لهم بداء، فكأنه بدا للمتحدث أن يذكر الثلثين، تقول لي هنا: أليس المثال واحدًا؟ أقول لك: بلى، تقول لي: فكيف حمل سيبويه البدل هنا على البداء؟ أقول لك: هذا مرجعه إلى الاحتمال، ما معنى مرجعه أو أن أساس ذلك الاحتمال؟

الجواب: معناه أن المتحدث إما أنه أراد أن يؤكد فقال: رأيتُ قومك ثلثيهم، وإما أنه لم يرد التوكيد، وإنما بدا له بعد أن قال: رأيتُ قومك، بدا له أن يبين لك ما الذي رآه من قومك، هل رأى قومك جميعهم أم رأى قومك ثلثهم أم رأى قومك ربعهم؟ فقال لك: رأيت قومك ثلثيهم؛ إذن بدا لهم أن يبين لك ما الذين رآه من قومك فإذا لم تحمل على البداء حملت على التوكيد، فقلت: أراد أن يؤكد ما الذي رآه من قومي حين قال لي: رأيتُ قومك ثلثيهم.

قال -عليه رحمة الله-: ولا يجوز أن تقول رأيت زيدًًا أباه والأب غير زيد؛ لأنك لا تبينه بغيره ولا بشيء ليس منه، وهذا يرجع إلى مسألة التعلق التي تعرفونها، وهي أن البدل يتعلق بالمبدل منه يعني لا يتعلق بأجنبيٍّ، حين تقول: رأيتُ قومك ثلثيهم، أنت تقول: ثلثي قومي، وحين تقول: رأيتُ قومك ربعهم أنت تقصد بالربع ربع قومي، ولا تقصد بالربع ربع قومٍ آخرين، هكذا يقول سيبويه بالنسبة إلى قوله: رأيتُ زيدًًا أباه لا يقال ذلك والأب غير زيدٍ، وكذلك لا تثني الاسم توكيدًا وليس بالأول، يعني أنت لا تؤكد غير الموجود، يعني غير الأول، أنت لا تؤكد أجنبيًّا محذوفًا، ولا تؤكد إلا ما تريد توكيده من ذكره أولًا، ثم يأتي التوكيد ثانيًا كما قال سيبويه -عليه رحمة الله.

يقول: وتقول: رأيتُ زيدًًا أباه، ورأيتُ زيدًًا عمرًًا، راجعوا المثال الذي قدمناه في أول هذا اللقاء، كيف تُخرّج قول سيبويه: رأيتُ زيدًًا عمرًًا، ربما يظن بعض الناس أن عمرًا أبو لزيد، وهذا خطأ، وإنما الرجل يقول: زارني زيد أو رأيتُ زيدًًا، الرجل يقول رأيت زيدًًا، ثم أخطأ، فقال: والله ما رأيتُ زيدًًا أنا رأيتُ عمرًًا، لكنه ذكر الاسم بعد الاسم، ما الذي نفهمه من ذلك؟ نفهم من ذلك أنه قال زيدًًا على سبيل الخطأ، وأن الصواب أنه رأى عمرًًا فسبق لسانه، وهذا يحدث لجميع الناس في مواضع شتى من حياتهم، تقول له: كم معك؟ فيقول: أربعون ستون، كأنه يقول: "أأ" هكذا يقول: معي أربعون ستون تدارك أمره، هو أخطأ عندما قال: معي أربعون، وتذكر الصواب، فقال لك: معي أربعون، اللهم إلا إن كان بخيلًا فقال لك: معي مائة ثمانون، فقلل ليظهر لك أن معه القليل لا الكثير وهكذا، قل: رأيتُ زيدًًا عمرًًا، ما الإعراب؟ رأى ماضٍ، والتاء فاعلٌ، وزيدًا مفعولٌ به منصوبٌ هكذا، وعمرًا بدلٌ مطابقٌ منصوبٌ كذلك، وأنتم تعلمون أن البدل المطابق لا يحتاج إلى ضميرٍ؛ لأنه هو المقصود بالفعل بدل الأول، أو جاء لبيانه كما في قولنا: جاء الطالبُ محمدٌ، وهنا رأيت زيدًًا عمرًًا الاسمان وإن تطابقا في الاسمية والعلمية إلا أنه من باب الغلط -كما قلت لحضراتكم.

وهذا يقول فيه سيبويه: أن يكون أراد أن يقول: رأيت عمرًًا فغلط، يعني في البداية أراد المتحدث الصواب لكن الصواب فارقة، البداية أنه أراد أن يقول: رأيت عمرًًا، لكن اللسان سبق إلى زيدٍ، فجاء به منصوبًا، فقال: رأيتُ زيدًًا، ثم نفح العقل اللسان فأمده بعمرًا الذي كان حقه أن يأتي أولًا، وبالتالي فلا داعي إلى زيد، لكن ماذا يفعل الإنسان؟ وما سمي الإنسان إنسانًا إلى للنسيان قال: رأيتُ زيدًًا عمرًًا، هذا تركيبٌ حدث، أنت أيها النحويُّ كيف تتعامل معه؟ تقول: أتعامل معه على وجه البدلية، أقول لك وما معنى البدلية؟ تقول لي: عمرًًا بدل من زيدًًا، أقول لك: ويأخذ إعرابه؟ تقول: نعم، أسألك: وما أصل التعبير؟ تقول: أصله على ما جاء في سيبويه رأيت عمرًًا، أقول لك: لكن الواقع يقول: رأيتُ زيدًًا عمرًًا، فما توجيه ذلك؟ تقول: توجيهه أنه أخطأ غلط، فلما غلط تذكر وذكر عمرًًا بعد زيد، هذا

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير