ثم يقول سيبويه: ومن هذا الباب قولك: بعتُ متاعك أسفله قبل أعلاه، واشتريتُ متاعك أسفله أسرع من اشتراء أعلاه، واشتريتُ متاعك بعضه أعجل من بعض، وسقيتُ إبلك صغارها أحسن من سقي كبارها، وضربتُ الناس بعضهم قائمًا وبعضهم قاعدًا، فهذا لا يكون فيه إلا النصب، نراجع معًًا هذه العبارة النفيسة، سيبويه يقول: بعتُ متاعك، لا شيء في هذا بعتُ فعل وفاعل، ومتاع مفعولٌ به منصوبٌ، والكاف مضافٌ إليه، وأسفله منصوبٌ باعتبار ماذا؟ باعتبار أنه بدل بعت متاعك أسفله وقبل أعلاه، واشتريتُ متاعك أسفله كذلك متاع مفعول، وأسفل بدل، وأسرع حال، والحال منصوبة وبما أنها تذكر وتؤنث تقول منصوبٌ أو منصوبةٌ كلاهما جائزٌ، واشتريتُ متاعك بعضه اشترى فعل ماض، والتاء فاعل، ومتاع مفعولٌ به منصوبٌ، وبعضه بدل بعض، وبدل المنصوب منصوبٌ؛ إذن بعضه بدلٌ منصوبٌ بالفتحة، والمبدل منه متاع وهو مفعول به منصوبٌ بالفتحة كذلك، وأعجل حالٌ منصوبةٌ بالفتحة، وسقيتُ إبلك صغارها بدل منصوب، أحسن إذن إما أن تقول: سقيًًا أحسن، وإما أن تقول: أحسن حال، وضربتُ الناس بعضهم قائمًا بعضهم بدل، وقائمًا حال، بعضهم حال أم أن بعضهم بدل؟ الجواب بعضهم بدلٌ منصوبٌ، ما إعراب قائمًا؟ إعراب قائمًا حال.
يقول سيبويه: فهذا لا يكون فيه إلا النصب، انتبه إلى هذه العبارة النفيسة، وإلى ما ذكره سيبويه -عليه رحمة الله- من قوله: مررت بمتاعك، ستقول لي: أنا أحفظ التعبير وأقول: بمتاعك بعضه، أقول لك أحسن، مررتُ بمتاعك بعضه مرفوعًا وبعضه مطروحًا، أنا مررت بشيءٍ تتمتع به من فراشٍ ونحوه وحقائب؛ فوجدت بعض الحقائب مطروحة، ووجدت بعضها مرفوعة لا بأس في هذا، فهذا لا يكون مرفوعًا، ما معنى فهذا لا يكون مرفوعًا؟ يعني لا تقل مررت بمتاعك بعضه، طبعًًا أنت لو قلت بعضه فسوف تقول مرفوعٌ.
يقول سيبويه: ومن هذا الباب ألزمتُ الناس بعضهم بعضًًا، يعني ألزم فعل ماض، والتاء فاعلٌ، والناس مفعولٌ به، وبعضهم بدلٌ منصوبٌ وليس فيه رفعٌ، ويقول: خوفتُ الناس ضعيفهم قويهم، وهذا -كما قال- معناه كأنه قال خاف الناس ضعيفهم قويهم، فلما جاء بخوف جعله على هذا النمط بمعنى أنه كأنه قال: خاف الناس ضعيفهم أي الضعيف من الناس خاف القوي، كأنه قال خاف الناسُ ضعيفهم قويهم، فخاف فعل ماض، والناس فاعلٌ، وضعيف بدلٌ مرفوعٌ، وقويهم مفعول، خاف الناس يعني الناس وضعيف بدل، وقوي مفعول به، وكذلك قوله: لزم الناس بعضهم بعضًًا حين أقول: لزم الناس، لزم: فعل ماض، والناس فاعلٌ، وبعضهم بدلٌ مرفوعٌ، وبعضًا مفعول به منصوب.
****
حديث شريف
سيد الاستغفار
عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم سيد الاستغفار أن تقول
{اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت}
قال ومن قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة. رواه البخاري
قوله (سيد الاستغفار)
قال الطيبي: لما كان هذا الدعاء جامعا لمعاني التوبة كلها استعير له اسم السيد , وهو في الأصل الرئيس الذي يقصد في الحوائج , ويرجع إليه في الأمور.
ـ[عمرمبروك]ــــــــ[30 - 08 - 2006, 07:28 ص]ـ
دخول الباء حملًا على المعنى، والرفع على القياس، وجواز الوجهين
وهنا قضية دخول حرف الجر حين يقول سيبويه: وعلى ذلك دفعت الناس بعضهم ببعض؛ لأنه كما في قول الله تعالى: {وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ} (الحج: من الآية: 40) وقد ذكر سيبويه هذه الآية، ولكن على قراءة نافع، "وَلَوْلا دَافع اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ" في آية الحج، قال: وهذا ما يجري منه مجرورًا كما يجري منصوبًا، يعني معنى الباء للتعدية، كأنك تعلم أن هناك أسلوبًا نقول فيه: ذهبت وذهبت به، تقول: أذهبته بالهمزة، وتقول ذهبت به فالباء للتعدية.
ثم يقول سيبويه: وتقول: رأيتُ متاعك بعضه فوق بعض، هنا جملة مهمة جدًًّا، وهي أن كلمة بعض جاءت مرفوعة مع أن قبلها متاعك منصوبة، ليس هذا على البدل، وإنما هذا بعضه مبتدأ، وفوق بعض متعلق بمحذوف خبر، والجملة برمتها: رأيتُ متاعك بعضه فوق بعض تجعلها في محل نصب حال إذا جعلت فوق في موضع الاسم المبني على المبتدأ، وجعلت الأول مبتدأ، يعني مبتدأ وخبرًا، وقال سيبويه: وإن جعلته حالًا بمنزلة قولك: مررتُ بمتاعك بعضه مطروحًا وبعضه مرفوعًا نصبته؛ لأنك لم تبن عليه شيئًًا فتبتدئه، وإن شئت فتبتدئه، وإن شئت قلت رأيت متاعك بعضه أحسن من بعض، فيكون بمنزلة قولك: رأيت بعض متاعك.
ذكر سيبويه المثال المشهور: "خلق الله الزرافة يديها أطول من رجليها" فما إعراب هذا المثال؟ خلق فعل ماض، ولفظ الجلالة فاعلٌ، والزرافة مفعولٌ به، ويديها بدل بعض منصوب بالياء، وأطول حالٌ، وهي الحال اللازمة؛ لأنك تعلم أن لليدين للزرافة لم يأت عليها زمان تكون أقصر من رجليها، وإنما أطول من رجليه. وبين سيبويه في بيتٍ جميلٍ من الشعر جواز وجهين من الإعراب حين قال:
فَما كانَ قَيسٌ هُلكُهُ هُلكُ واحِدٍ وَلَكِنَّهُ بُنيانُ قَومٍ تَهَدَّما
وهو من الطويل، فَمَا كا فعول/ نَقَيسُهُل مفاعيل/ كُهُهُل فعول/ كَواحدٍ مفاعل/ وَلَكِنْ فعول/ َنهُبُنيا مفاعيل/ نُقَوم فعول/ تَهَددم مفاعل/ العروض مقبوضة، والضرب مقبوض، ويجوز في البيت أن تقول:
فَما كانَ قَيسٌ هُلكُهُ هُلكُ واحِدٍٍ ............................
ويجوز لك أن تقول:
فَما كانَ قَيسٌ هُلكُهُ هُلكُ واحِدٍ ............................
على أنه خبر لكان.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
المحاضره منقووله من موقع جامعة المدينة العالمية.
*****
انتهت المحاضرة
ولا زال الحديث مستمراً (إن شاء الله) بانتظار مشاركاتكم في هذا الباب وتوضيحاتكم وتعليقاتكم على هذه المحاضرة فنحن بحاجة ماسة وكبيرة للتوضيح وبارك الله فيكم.
¥