تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أكّد الشاعر لفظيًّا "لا" الأولى؛ إذن هو مهتمّ يقصد المتبوع قبل التابع، محمد محمد مجتهد، القوم كلهم حضروا، أنت تؤكد "القوم"، لكن في البدل إذا قلت: جاء قومك أكثرهم، إنما تسلِّط الضوء على الأكثر -كما شرحنا قبل في ضوء كتاب سيبويه- أو أعجبني زيد صوته -في بدل الاشتمال- أنت لا تعني إلا الصوت، كأنك لا تقصد زيدًا برمّته؛ من ثَمّ قال ابن الحاجب: تابع مقصود بما نسب إلى المتبوع دونه. وقال الرضي: هذا القول يُخرج التوكيدَ، ويُخرج الوصف؛ لأن الوصف كالتوكيد في إفادة معنًى يعود إلى الموصوف، جاءني الرجل العالم، وزارني زيد التاجر، ويُخرج عطفَ البيان -وهذه مهمة وسوف نحتاج إليها بعد قليل-:

أقسمَ بالله أبو حفصٍ عمر ما مسّها من نقبٍ ولا دبر

فاغفر له اللهم إن كان فجر ..............................

جاءني فلان كذا، تريد أن تبينه فهو مقصود.

وخرج من قوله: "دونه" أي دون المتبوع عطف النسق؛ لأن المقصود هناك التابع والمتبوع معًا، أقول لك: إذا قلت: لقيت زيدًا وعمرًا، ماذا تقصد؟ تقصد زيدًا وعمرًا، يعني أنك لقيت الرجلين، فلا تقصد أحدَهما دون الآخر، كلمة "دونه"، لكنك في البدل تقول: لقيتُ زيدًا أباه، أنت لا تقصد زيدًا وإنما تقصد أباه، وحين تقول: أعجبني القارئ صوته، لا تقصد القارئ وإنما تقصد شيئًا فيه، وهو صوته.

ويعترض الرّضيّ على ابن الحاجب قائلًا: ولا يطّرد ما قاله. أي: لا يطّرد ما قاله ابن الحاجب في هذا التعبير، وذكر الرّضيّ هذا المثال الذي دفعنا إلى ما قاله النحاة في شروحهم وحواشيهم. قال الرضي: في نحو "جاءني زيد بل عمرو" في هذا المثال أنت تقول: "جاءني زيد بل عمرو" ما معنى هذا المثال؟ معناه: أنك قلت: جاءني زيد، ثم أضربتَ -بمعنى صرفت النظر عن زيد- كما أنك صرفته في مثال البدل الذي قاله ابن الحاجب، فالمقصود في "جاءني زيد بل عمرو" أن المقصود عمرو لا زيد، وهو عطف نسق.

يريد الرّضيّ -أحبائي- أن يقول إنّ عبارة ابن الحاجب المقصود في النسبة في البدل الثاني غير الأول غير مطّرد، أي غير مطّردة في البدل وحده، بل إن من عطف النّسق ما يكون المقصود الثاني لا الأول كما في البدل، فليس في ذلك اختصاص -وإن شئت أيها الدارس قلت: فليس في ذلك من اختصاص- أي: أن عطف النسق يشاركه في ذلك كما ذكر الرضي.

والمسألة فيها تحقيق ذكره الصّبّان في الجزء الثالث من حاشيته على شرح الأُشموني في الصفحة الثالثة والعشرين بعد المائة، يقول:

فأما النسق فثلاثة أنواع -أي أن عطف النسق ثلاثة أنواع- النوع الأول: ما ليس مقصودًا بالحكم، وهذا يذكّرك بالبدل: التابع المقصود بالحكم بلا واسطة هو المسمى بدلا، إذن ما ليس مقصودًا بالحكم مثل: جاء زيد لا عمرو، نلحظ أن المقصود بالمجيء هنا زيد، وليس المقصود بالمجيء عمرو، معنى ذلك أنّ المثال الذي ذكره الصّبّان "جاء زيد لا عمرو" لا يكون فيه التابع مقصودًا، وأنتم تعلمون أن البدل هو المقصود، والبدل هو الثاني، التابع أيها الدارس، هو الذي يتبع غيره، وقد يكون هذا التابع معطوفًا، وقد يكون هذا التابع توكيدًا، وقد يكون هذا التابع بدلًا، وقد يكون هذا التابع نعتًا أو وصفًا أو صفةً، وقد يكون عطف بيان، والتابع الذي هو البدل مقصود، أنت تقصده، وقد قال ابن الحاجب: إن هذا اختصاص. يعني: أنه المقصود دون ما قبله، أي دون متبوعه.

يأتي الرّضيّ ويقول: وهذا ليس فيه اختصاص؛ لأنك قد تقصد الثاني دون الأول في عطف النسق، وعطف النسق يعني: العطف الذي فيه حروف نسّقت الثاني على الأول كأنها أداة تنسيق الزهر، جعلتِ الكلامَ منسقًا متّسقًا بعضه بعد بعض، ولكل حرف معناه، ثم للترتيب والتراخي، الفاء للترتيب والتعقيب وتعقيب كل شيء بحسبه، تقول: زرت مكة فبغداد، مع أن المسافة بين مكة وبغداد طويلة، فأين التعقيب هنا؟ الجواب: أنك تقول ذلك إذا لم تضيّع أيامًا بين زيارتك لمكة وبين زيارتك لبغداد، وإنما بعد أن انتهيتَ من زيارة مكةَ مضيت فورًا إلى بغداد، تقول: زرتُ مكة فبغداد، وتفيد الترتيب والتعقيب، حتى وإن ركبت ناقة وظللت تمضي بها وتسري ليل نهار مدة شهر، لأن بعض الناس يفهم التعقيب على أنه كلمح البصر أو هو أقرب، ومن ثَمّ قال أهل العلم من قديم: " إن تعقيب كل شيء بحسبه" أي: أنك يمكنك أن تقول: قرأت الصحيفة فالكتاب، وبين الصحيفة والكتاب بضع

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير