تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثوان، وتقول: زرت مكة فبغداد، وبين مكة وبين بغداد أيام وليال، المهمّ أن تعرف كيف تستعمل الحرف، وكيف تستعمل الأسلوب، هذا كلام مهمّ نفيس وغال.

ابن الحاجب يقول: "دونه" يعني: نحن ننسب الفعل ونسنده إلى الثاني في البدل دون الأول، والرضي يقول: وهذا لا يطّرد؛ لأنه في عطف النسق نجد أن الثاني قد يكون مقصودًا بنسبة الفعل إليه دون الأول كالبدل، فليس إذن في البدل اختصاص بقصد هذه النسبة دون المبدل منه، إذا كنت تقول: جاء زيد أخوه، وأعجبني زيد صوته، ودلّ ذلك على أن المراد أخوه وصوته دون زيد، فهل هذا خاصّ بالبدل؟ كيف وأنت تقول في باب عطف النسق: جاءني زيد بل عمرٌو، أي أنك تقصد هنا عمرًا دون زيد، بم يسمّى زيد؟ متبوع. وبم يسمى عمرو؟ تابع. والفعل المسند أين هو؟ جاء. هل تعني نسبته وإسناده إلى الأوّل أم إلى الثاني؟ الجواب: إلى الثاني، أنا أقول: جاءني زيد بل عمرو، يعني اصرف النظر عن زيد، هذا معنى الإضراب، أضرب عمّا قبل "بل" وأثبت ما بعدها، هكذا، أي: أن المقصود هنا عمرو لا زيد، وهو عطف نسق.

إذن الرّضيّ يريد أن يقول إن قول الشيخ ابن الحاجب: "المقصود بالنسبة في البدل الثاني دون الأول" كلام لا يطّرد في البدل وحده، وإنما يشمل البدلَ والمعطوفَ في نحو قولنا: جاءني زيد بل عمرو.

والصّبّان -عليه رحمة الله تعالى- يزيد المسألة تبيانًا ووضوحًا وتفصيلًا يقول: إن النسق على ثلاثة أنواع:

أول هذه الأنواع الثلاثة ما ليس مقصودًا بالحكم، أي أن التابع غير مقصود بالحكم، والحكم -كما قلت لحضراتكم- هو الفعل، إثبات الفعل له أو نفيه عنه -وتلك مهمة مهمة مهمة- إذن نحن في أول أنواع النسق نجد أن التابع يكون غيرَ مقصود في عطف النسق على عكس البدل تمامًا؛ فإنّ البدل يكون مقصودًا وتكون نسبته مقصودةً دون متبوعه، وإن شارك البدل غيرُه كما قال الرضي.

أحدها -أي أحد هذه الأنواع الثلاثة- ما ليس مقصودًا بالحكم، ومثاله: جاء زيد لا عمرو، تلحظ أن المقصود بالمجيء هنا الأول دون الثاني، ومنه: ما جاء زيد بل عمرو، هذه كما قلت لكم ثلاث مرات مهمة مهمة مهمة، لماذا كل هذا التوكيد؟ لأن بعض الناس قد يظنّ أنّنا ما دمنا قلنا: ما جاء زيد بل عمرو، أنّنا نقصد الثاني؛ لأن الناس يفهمون الإثبات ولا يراعون النفي، أصل الكلام أيها الدارسون، مبنيّ على النفي، وقد قلت لكم من قريب: إن النسبة -أي إن نسبة الفعل إلى التابع أو إلى المتبوع- تقوم على الإثبات وتقوم على النفي، حين قلنا: جاء زيد لا عمرو، النسبة إيجاب لا سلب، أنت تتحدّث عن المجيء، وإذا قلت: جاء زيد لا عمرو، فقد أثبتّ المجيءَ إلى زيد دون عمرو، فإن قلت: ما جاء زيد بل عمرو، فمعنى ذلك أنك تريد نسبة سلب لا نسبة إيجاب، أنت تنفي المجيء عن من؟ تلك هي القضية، أنت لا تريد أن تقول: من الذي جاء ومن الذي لم يجئ؟ وإنما أنت تقول: ما جاء زيد؛ إذن المراد الأول، تقول: كيف؟ كيف والمثال واضح "ما جاء زيد بل عمرو" عمرو هو الذي جاء؟ نحن لا نتحدّث عن المجيء وإنما نتحدّث عن نفي المجيء، فمن الذي أردت أن تنفي عنه المجيء: زيد أم عمرو؟ الجواب: زيد؛ إذن رحم الله الصبان الذي ذكرها ولم يوضّحها؛ حيث قال: "ومنه ما جاء زيد بل عمرو" فالمقصود الأول لا الثاني.

ومثل "بل" "لكن" يعني تقول: ما جاء زيد لكن عمرو، وانتبه إلى أن هذه "لكن" يعني: مخفّفة، وليست "لكنّ" المشددة التي تنصب الاسم وترفع الخبر، تقول: ما جاء زيد لكن عمرو، وأنت لا تقول: لكنّ عمرو، وإنما تقولها مخفّفة هكذا: لكن عمرو، هل تريد نسبة المجيء إلى زيد أم أنّك تريد نسبةَ نفي المجيء إلى زيد؟ الجواب هو الثاني، إنّنا نريد أن ننفي المجيء عن زيد، فالنسبة ما تكون حقيقيةً ومجازيةً تكون النسبةُ كذلك إيجابيةً وسلبيةً، يعني موجبة: جاء زيد بل عمرو، تكون سلبية: ما جاء زيد لكن عمرو.

العلماء يقولون: إن "لكن" مثل "بل"، ففي قولنا: جاء زيد لا عمرو، نفينا مجيء عمرو، فالمقصود زيد، وفي قولنا: ما جاء زيد بل عمرو، قد يتوهّم إنسان أن المقصود بالنسبة عمرو، وهذا غير صحيح، لأن النسبةَ بالنفيِ، فالمقصود من النفي زيدٌ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير