قد تسألني وتقولُ: كيف دخول الفاء على تقدير الشيوخ والعلماء؟ أقول لك: إن الفاء تدخل في جواب الشرط، إذا أردنا أن نقول: إن: {مَا} شرطية على ما يراه الفراء قلنا: دخلت الفاء هنا؛ لأنها تدخل في جواب الشرط، يعني: فتلك النعمة من الله: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} جواب الشرط إذا كان جملة اسمية يعني: إذا كان جملة اسمية وجب اقترانه بالفاء كما في قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (الطلاق: من الآية: 3) دخلت الفاء على قوله تعالى: {هُوَ حَسْبُهُ} لأنها جملة اسمية.
ويدخل حرف الفاء كذلك على جواب الشرط إذا كان طلبيًّا: أمرًا، أو نهيًا، أو استفهامًا، ويدخل إذا كان الفعل مصدرًا بـ" سوف"، أو منفيًّا بـ"لن"، أو بـ"ما"، أو كان فعلًا جامدًا غير متصرف: إن تجتهدَ فنِعمَ الطالب أنتَ، ونحو ذلك، إذن: دخلت الفاء في جواب الشرط فـ {مَا} شرطية.
لكن المشكلة التي قد تغيب عنك بعض الوقت أن تقول: إذا حملناها على تقدير المبرد: بأنها موصولة، يعني: الذي بكم من نعمة فمن الله: {مَا} إعرابها: مبتدأ -هذا عظيم- أين خبرها؟ ما بكم من نعمة كائن أو استقر أو مستقر من الله، دخلت أيضًا الفاء في خبر المبتدأ، فكيف تدخل الفاء في خبر المبتدأ وهو موصول؟
الجواب ما ذكره العلماء من أن: المبتدأ إذا كان شبيهًا للشرط في العموم -لأن كلمة: ما، ومهما، ومن يجتهد، نحن لم نعين أحدًا، وإنما أفادت هذه الأدوات العموم- دخلت الفاء في خبره؛ تشبيهًا له بالشرط في عمومه، يعني: كأن هناك تجاذبًا بين أداة الشرط وبين اسم الموصول، أداة الشرط تدل على العموم، والاسم الموصول يدل على العموم، فلمَّا كان العموم مشتركًا بينهما ودخلت الفاء في جواب الشرط كذلك تدخل في خبر المبتدأ، كأنها تقول له: أنا منك، أو أنا بعضُ آيات شبهك بالشرط الذي كان.
كل الذي بين المبرد وبين غيره في قول الله -تبارك وتعالى-: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} أن الإمام -عليه رحمة الله- يرى كما قال: وأنا أرى قوله -عز وجل-: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} على هذا، يعني: على أن مِن بيانية، يعني: دخلت على مبين، دخلت على تمييز مجرور، و {مَا} كما ذكر المحقق العلامة عُضيمة -عليه رحمة الله- عنده: اسم موصول.
تحية لكم، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
ـ[عمرمبروك]ــــــــ[03 - 09 - 2006, 02:23 م]ـ
تقديم التمييز على عامله الفعل
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين ورحمة الله تعالى للعالمين سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين:
ما زلنا مع المبرد، ومع كتابه (المقتضب) وعنوان محاضرتنا التمييز بين التقديم والإعراب، ولنا أن نقف عند هذا العنصر الأول من المحاضرة، وعنوانه تقديم التمييز على عامله الفعل، وفي هذه السطر دقة تعلمناها من المبرد حيث قال:
واعلم أن التبيين -ومراده بكلمة التبيين التمييز كما عرفنا- ذلك أنه قضى على خلاف حين قال في أول الباب: التبيين والتمييز، وكأنه قال: إن التبيين بمعنى التمييز، نص المبرد: واعلم -يخاطب بذلك قارئ كتابه- أن التبيين إذا كان العامل فيه فعلًًا جاز تقديمه" عبارةٌ عربيةٌ واضحةٌ تدل على رأي العلامة المبرد في جواز تقديم التمييز على عامله، وذلك بشرط، إذا سألنا ما هذا الشرط؟ أجابنا -رحمه الله- بقوله: إذا كان العامل فيه فعلًا.
ولنا أن نعلم أن حكم التقديم جائزٌ، فمعنى ذلك أنك إذا قلت: طاب زيدٌ نفسًا، جاز لك أن تقول: نفسًا طاب زيدٌ، لماذا؟ لأنه تمييزٌ عمل فيه النصب فعلٌ، وأنت قد عرفت أن العامل إما أن يكون فعلًًا، وإما أن يكون جاريًا مجرى هذا الفعل، وهو الذي عبر عنه المبرد بأنه ما يُشبه الفعل، فإذا كان العامل فعلًَا فمعنى ذلك أن ذلك شرطٌ لجواز ولا تقل لتقديم التمييز؛ لأن قولك لتقديم التمييز يوهم أن التقديم واجبٌ إذا كان العامل فعلًًا، أنت تقول: طاب فعل ماض مبنيٌّ على الفتح، وزيدٌ فاعلٌ مرفوعٌ وعلامة رفعه الضمة الظاهرة، ثم تأتي بالتمييز منصوبًا فتقول: نفسًا على هذا النسق، يعني يأتي الفعل أولًًا، ثم يأتي بعد الفعل فاعله، ثم يأتي بعد الفعل والفاعل ما يبين طاب زيدٌ طعامًا، أم طاب زيدٌ ماءً، أم طاب زيدٌ هواءً، أم طاب زيدٌ سكنًا، أم طاب زيدٌ نفسًا، يعني
¥