تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

هناك أمور مبهمة يتطرق نحوها الاحتمال إذا قلنا: طاب زيدٌ، كما أن هناك احتمالات في قولنا: عندي عشرون، عندي عشرون رجلًا، أم عندي عشرون كتابًا، أم عندي عشرون امرأة، وهكذا لا ندري، فلما قلت: عندي عشرون رجلًا ذهبت الاحتمالات كلها، وذلك بأنك قد بينت -أي قد ميزت- وكانت ميزتك أنك قلت رجلًا، أو أنك قلت درهمًا، أو أنك قلت غير ذلك من الأسماء.

لك الآن أن تقارن بين ما ذكره لك المبرد من رفع الاحتمالات في قولك: عندي عشرون درهمًا أن تقارن ذلك بمسألة تقديم التمييز على عامله الفعل طاب زيدٌ نفسًا، في هذا المثال الذي ذكره المبرد تستطيع أن تقدم التمييز على عامله، أي أنك إذا قلت: طاب زيدٌ نفسًًا كنت عربيًّا فصيحًا، وإذا قلت: نفسًا طاب زيدٌ كنت عربيًّا فصيحًا، وأنت تدرس باب التمييز من كتاب (المقتضب) للمبرد فلابد أن تعرف ماذا قال المبرد؟ هذا مهم جدًّا، وهو قد منحك القاعدة ميسرة حكمًا عربيًّا، فقال: واعلم أن التبيين -أي التمييز- إذا كان العامل فيه فعلًًا جاز تقديمه.

أنا أقول لك: ما معنى قول المبرد: جاز تقديمه؟ تقول لي: معنى قول المبرد: جاز تقديمه أن حكم التقديم جائزٌ ليس بواجب، يعني ما الذي يقصده كذلك، أو ما الذي نستنتجه نحن من أن الحكم هو الجواز؟ الجواب: أن ذلك يدل على اتساع اللغة، وما معنى اتساع اللغة؟ معناها أن هناك أوجهًا مختلفة تصح في الأسلوب الواحد، يعني تستطيع أن تقول: طاب زيدٌ نفسًا، وتستطيع أن تقول: نفسًا طاب زيدٌ، لا يخطئك في الأول أحدٌ، ولا يخطئك في الثاني كذلك أحدٌ؛ إذن فلغتك فيها متسعٌ كما أن في دينك متسعًا والحمد لله، يقول المبرد: لتصرف الفعل، ومعنى ذلك أن الفعل هو الأصل، والأصل يتصرف فيه ما لا يتصرف في غيره من الفروع، هذا هو المراد، يعني نقول على رأي المبرد: لماذا جاز تقديم التمييز على عامله الفعل دون غيره؟

ويكون الجواب: لأن الفعل فيما يرى المبرد وغيره، يعني لا خلاف بين المبرد وبين غيره في أن الفعل هو العامل الأساس، وأن هذا العامل الأساس يتصرف فيه أو يتصرف؛ لأنه الأساس، أما غيره من نحو الصفة المشبهة، فلا يجوز أن تقول: وجهًا زيدٌ الحسن؛ لأن العامل هنا الحسن، وهو صفةٌ مشبهةٌ، والصفة المشبهة وإن كانت تعمل النصب في التمييز فإنها لا تكون بمثابة الفعل؛ حيث إن الفعل عامل أصيل، وحيث إن الصفة المشبهة إنما عملت النصب في التمييز بالحمل على الفعل، وليس من العدل أن تكون الصفة الفرع كالفعل الذي هو أساس، هذا ما ينبغي أن نعرفه جميعًا، وأن نقف عنده بادئ بدء.

نقول: إذا كان العامل غير فعل امتنع تقديم التمييز على عامله، يقول المبرد في مثاله: كما في قولك: تصببت عرقًا، أعرب هذا المثال؟ تصبب فعل ماض مبنيٌّ على الفتح المقدر الذي منع من ظهوره كراهية وجود متحركات فيما هو كالكلمة الواحدة، والتاء فاعلٌ مبنيٌّ في محل رفع، وعرقًا إنما هو تمييزٌ منصوبٌ وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، هذا عظيمٌ، ماذا يعني المبرد بهذا المثال؟ يعني المبرد بهذا المثال أن العامل في التمييز جاء فعلًا، وعلى هذا يجوز فيه أن يتقدم التمييز على عامله، بمعنى ماذا؟ بمعنى أنك تقول: عرقًا تصببتُ، كما قلت: نفسًا طاب زيدٌ، تقدم التمييز على عامله في المثالين؛ لأن العامل فعلٌ يتصرف أو يتصرف فيه بما لا يتصرف في غيره؛ لأنه هو الأساس في العمل هكذا.

قال هو -رحمه الله تعالى-: تقول: عرقًا تصببت، يعني المثال أصله: تصببت عرقًا، على هذا الترتيب تصبب فعل ماض، والتاء فاعلٌ، وعرقًا تمييزٌ منصوبٌ وعلامة نصبه الفتحة الظاهرة، أما قولنا: عرقًا تصببُ، فإن عرقًا تمييز، أين عامله؟ تصبب، كيف جاء الترتيب؟ جاء بتقديم التمييز على عامله، وما عامله؟ فعل، حدد الفعل تصبب؛ إذن ما سر إباحة التقديم، أو لماذا جاز التقديم؟ والجواب: أن هذا التقديم إنما جاز لأن العامل فعل وهو تصبب، وهكذا قال المبرد: ثم قال، ماذا قال؟ قال: وهذا لا يجيزه سيبويه -رحم الله الجميع. معنى قوله: وهذا لا يجيزه سيبويه أن سيبويه -رحمة الله عليه- لا يجيز الذي أجازه المبردون.

الخلاف بين سيبويه والمبرد في تقديم التمييز

نحن أمام مسألة خلافية ذكرها المبرد في (المقتضب) وبدأ بنفسه، فقال:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير